للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تِنِّينًا، أتَدْرُون ما التِّنِّيُن؟ تسعةٌ وتسعون حيَّةً، لكلِّ حيةٍ سبعةُ أرؤسٍ (١)، يَنْفُخون في جسمِه ويَلْسَعونه ويَخْدِشونه إلى يومِ القيامةِ" (٢)

وأن الله أتْبَع ذلك قولَه: ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾. فكان معلومًا بذلك أن المعيشةَ الضنكَ التي جعَلَها اللهُ لهم قبلَ عذابِ الآخرةِ (٣)؛ لأن ذلك لو كان في الآخرةِ لم يكنْ لقولِه: ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾. معنًى مفهومٌ؛ لأن ذلك إن لم يكنْ تقَدَّمه عذابٌ لهم قبلَ الآخرةِ، حتى يكونَ الذي في الآخرةِ أشدَّ منه، بطَل معنى قوله: ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾.

فإذ كان ذلك كذلك، فلا تَخْلو تلك المعيشةُ الضنكُ التي جَعَلَها اللَّهُ لهم مِن أن تكونَ لهم في حياتهم الدنيا، أو في قبورِهم قبلَ البعثِ - إذ كان لا وجهَ لأن تكونَ في الآخرةِ؛ لما قد بيَّنا - فإن كانت لهم في حياتهم الدنيا، فقد يَجِبُ أن يكونَ كلُّ مَن أَعْرَض عن ذكرِ اللَّهِ مِن الكفار، فإن معيشتَه فيها ضنكٌ، وفي وجودِنا كثيرًا منهم أوْسَعَ معيشةً من كثيرٍ من المُقْبِلِين على ذكرِ اللهِ القابلين (٤) له المؤمنين - ما يَدُلُّ على أن ذلك ليس كذلك، فإذ خلا القولُ في ذلك مِن هذين


(١) في ص، ت ٢، ف: "أرس"، وفى م: "رءوس".
(٢) أخرجه أبو يعلى (٦٦٤٤) وابن حبان (٣١٢٢) والآجرى في الشريعة ص ١٢٧٣، والبيهقي في عذاب القبر (٨٠) من طريق ابن وهب به، وأخرجه البزار (٢٢٣٣ - كشف) من طريق ابن حجيرة به، وأخرجه ابن أبي حاتم - كما في تفسير ابن كثير ٥/ ٣١٦ - من طريق دراج به، وقال ابن كثير: رفعه منكر جدا. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٤١١ إلى ابن أبي الدنيا في ذكر الموت والحكيم الترمذي وابن المنذر وابن مردويه. وعندهم سوى البزار زيادة في أوله: "المؤمن في قبره في روضة خضراء ويرحب قبره سبعين ذراعا وينور له كالقمر ليلة البدر". وعند البيهقي: "تسعة رءوس" بدل من "سبعة أرؤس".
(٣) في ت ٢: "القبر".
(٤) في م: "القائلين".