للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿لَا تَعْبُدُونَ﴾. فكأنه قيل: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيلَ لا تعبدوا إلا اللهَ، وقولوا للناسِ حسنًا. وهو نظيرُ ما قدَّمنا البيانَ عنه، مِن أن العربَ تَبْتَدِئُ الكلامَ أحيانًا على وجهِ الخبرِ عن الغائبِ في مواضعِ الحكاياتِ عَمّا (١) أخْبَرَتْ عنه، ثم تعودُ إلى الخبرِ على وجهِ الخطابِ، وتَبْتَدِئُ أحيانًا على وجهِ الخطابِ، ثم تعودُ إلى الإخبارِ على وجهِ الخبرِ عن الغائبِ، لما في الحكايةِ مِن المَعْنَيَيْنِ، كما قال الشاعرُ (٢).

أَسِيئِى بِنا أوْ أَحْسِنِى لا مَلُومَةً … لَدَيْنا وَلَا مَقْلِيةً إنْ تَقَلَّتِ

يعنى: تقلَّيْتِ.

وأمَّا "الحُسْنُ" فإن القَرَأَةَ اخْتَلَفت في قراءتِه، فقرَأتْه عامَّةُ قَرَأَةِ أهلِ الكوفةِ غيرَ عاصمٍ: (وقُولُوا للنّاسِ حَسَنًا) بفتحِ الحاءِ والسينِ (٣).

وقرأتْه عامَّةُ قَرَأَةِ أهلِ المدينةِ: ﴿حُسْنًا﴾ بضمِّ الحاءِ وتسكينِ السينِ (٤).

وقد رُوِى عن بعضِ القَرَأَةِ أنه كان يقرؤُها: (وَقُولُوا للنَّاسِ حُسْنَى). على مثالِ "فُعْلَى" (٥).

واخْتَلف أهلُ العربيةِ في فرْقِ ما بينَ معنى قولِه: (حَسَنًا)، و ﴿حُسْنًا﴾؛ فقال بعضُ البصريِّين: هو على أحدِ وجهينِ؛ إمَّا أن يكونَ يُرادُ بـ "الحُسْنِ": "الحَسَنُ"، لكنها (٦) لغةٌ، كما تقولُ: "البُخْلُ" و"البَخَلُ". وإمَّا أن يكونَ جُعِلَ "الحُسْنُ" هو "الحَسَنَ" في التشبيهِ، وذلك أن الحُسنَ مصدرٌ،


(١) في م: "كما".
(٢) هو كثير عزة، والبيت في ديوانه (مجموع) ص ١٠١.
(٣) وهى قراءة حمزة والكسائى. السبعة لابن مجاهد ص ١٦٢.
(٤) وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو ونافع وعاصم وابن عامر. السابق.
(٥) وهى قراءة أُبى وطلحة بن مصرف. البحر المحيط ١/ ٢٨٤، ٢٨٥. وهى قراءة شاذة.
(٦) في م: "كلاهما"، وفى ت ٢: "كلهما"، وفى ت ١، ت ٣: "وكلها".