للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: معنى ذلك: أو لم يرَ الذين كفَروا أن السماواتِ والأرضَ كانتا رَتْقًا من المطرِ والنباتِ، فَفَتَقْنَا السماءَ بالغَيْثِ، والأرضَ بالنباتِ.

وإنما قُلنا: ذلك أولى بالصوابِ في ذلك؛ لدلالةِ قولِه: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ على ذلك، وأنَّه جلَّ ثناؤُه لم يُعْقِبْ ذلك بوصْفِ الماءِ بهذه الصِّفَةِ إلَّا والذي تَقَدَّمه مِن ذكرِ أسبابِه.

فإن قال قائلٌ: فإن كان ذلك كذلك، فكيفَ قيل: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا﴾. والغيثُ إنَّما ينزلُ من السماءِ الدُّنيا؟

قيل: إن ذلك مُخْتَلَفٌ فيه، قد قال قومٌ: إنَّما ينزلُ مِن السماءِ السابعةِ. وقال آخرون: من السماءِ الرابعةِ. ولو كان ذلك أيضًا كما ذكَرتَ مِن أنَّه ينزلُ من السماءِ الدُّنيا، لم يكنْ في قولِه: ﴿أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ دليل على خلافِ ما قُلنا؛ لأنَّه لا يمتَنِعُ أن يُقالَ: السماواتُ. والمراد منها واحدةٌ، فتُجْمعَ؛ لأن كلَّ قطعةٍ منها سماءٌ، كما يُقالُ: ثوبٌ أخْلاقٌ، وقميصٌ أسمالٌ.

فإن قال قائلٌ: وكيفَ قيل: ﴿أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا﴾. فالسماواتُ جمعٌ، وحكمُ جمعِ الإناثِ أن يُقالَ في قليلِه: كُنَّ، وفى كثيرِه: كانت؟

قيل: إنَّما قيل ذلك كذلك؛ لأنَّهما صنفان، فالسماواتُ نوعٌ، والأرضُ آخرُ، وذلك نظيرٌ قولِ الأسودِ بن يَعْفُرَ (١):

إن المَنِيَّةَ والحُتُوفَ كِلاهما … تُوفِى المخَارِمَ يَرْقُبانِ سَوَادِي

فقال: كِلاهما. وقد ذكَر المنيةَ والحتُوفَ؛ لِما وصَفْتُ من أَنَّهُ عنَى النَّوعين.


(١) البيت في المفضليات ص ٢١٦، وسمط اللآلئ ١/ ١٧٤، ٣٦٨.