للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لخاصٍّ مِن معانى الحُسْنِ وهو القولُ، فلذلك اخترتُ قراءتَه بفتحِ الحاءِ والسينِ، على قراءتِه بضمِّ الحاءِ وسكونِ السينِ (١).

وأمَّا الذى قرَأ ذلك: (وَقولُوا للنَّاسِ حُسْنَى). فإنه خالَف بقراءتِه إيَّاه كذلك قراءةَ أهلِ الإسلامِ، وكفَى شاهدًا على خطأِ القراءةِ بها كذلك خروجُها مِن قراءةِ أهلِ الإسلامِ لو لم يكنْ على خطئِها شاهدٌ غيرُه. فكيف وهى مع ذلك خارجةٌ مِن المعروفِ مِن كلامِ العربِ، وذلك أن العربَ لا تَكادُ أن تَتَكَلَّمَ بـ "فُعْلَى" و"أفْعَلَ" إلا بالألفِ واللامِ أو بالإضافةِ، لا تقولُ: جاءنى أحسنُ. حتى يَقُولوا: الأحسنُ. ولا: أجملُ. حتى يَقولُوا: الأجملُ. وذلك أن "الأفْعَل" و"الفُعْلَى" لا يَكادان يُوجَدان صفةً إلا لمعْهودٍ معروفٍ، كما تقولُ: بل أخوك الأحسنُ، و: بل أختُك الحُسْنَى. وغيرُ جائزٍ أن يُقالَ: امرأةٌ حُسْنَى، ورجلٌ أحسنُ.

وأمّا تأويلُ القولِ الحَسَنِ الذى أمَر اللهُ به جلَّ ثناؤُه الذين وصَف أمْرَهم مِن بني إسرائيلَ في هذه الآيةِ أن (٢) يَقُولوه للناسِ، فهو ما حدَّثنا به أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا عثمانُ بنُ سعيدٍ، قال: ثنا بشرُ بنُ عُمارةَ، عن أبى رَوْقٍ، عن الضَّحَّاكِ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ أمَرَهم أيضًا بعدَ هذا الخُلُقِ أن يَقُولوا للناسِ حسنًا؛ أن يَأْمُروا بـ "لا إلهَ إلا اللهُ" مَن لم يَقُلْها ورغِب عنها، حتى يَقُولوها كما قالوها، فإن ذلك قُرْبةٌ لهم مِن اللهِ جلَّ ثناؤُه. [قال: والحسَنُ] (٣) أيضًا (٤) ليِّن القولِ، مِن الأدبِ الحسنِ الجميلِ، والخُلُقِ الكريمِ، وهو مما ارْتَضاه اللهُ وأحَبَّه (٥).


(١) القراءات واختياراتها لا تثبت بمثل هذا التعليل وإنما تثبت بالتواتر والنقل الصحيح عن النبي .
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "لأن".
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "وقال الحسن".
(٤) بعده في الأصل: "من".
(٥) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٨٥ إلى المصنف نحوه مختصرا، وأخرج ابن أبى حاتم في تفسيره ١/ ١٦١ (٨٤٦) نحو آخره عن الحسن.