للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال بعضُ أهلِ العربيةِ من أهلِ البصرةِ (١) ممَّن قال نحوَ هذه المقالةِ: إنَّما قال: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ وهو يعنى أنه خلَقَه مِن تعجيلٍ من الأمرِ؛ لأنَّه قال: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل: ٤٠]. قال: فهذا العَجَلُ، وقولُه: ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ [إنِّي ﴿سَأُرِيكُمْ آيَاتِي﴾] (٢).

وعلى قولِ صاحبِ هذه المقالةِ يجبُ أن يكونَ كلُّ خَلْقِ اللهِ خُلِق على عَجَلٍ؛ لأن كلَّ ذلك خُلقِ بأنْ قِيل له: كُنْ. فكان. فإن كان ذلك كذلك، فما وَجْهُ خصوصِ الإنسان إذن بذكرِ أَنَّه خُلِق من عَجَلٍ دونَ الأشياءِ كلِّها، وكُلُّها مخلوقٌ منِ عَجَلٍ، وفي خصوصِ اللهِ تعالى ذِكرُه الإنسانَ بذلك، الدليلُ الواضحُ على أن القولَ في ذلك غيرُ الذي قاله صاحبُ هذه المقالةِ.

وقال آخرون مِنهم (٣): هذا من المَقْلوبِ، وإِنَّما هو: خُلِق [العجَلُ مِنْ] (٢) الإنسانِ وخُلِقتِ العَجَلَةُ من الإنسانِ. وقالوا: ذلك مثلُ قولِه: ﴿مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾ [القصص: ٧٦] إنَّما هو: لَتَنوءُ العصبةُ بها مُتثاقِلةً. وقالوا: هذا وما أشْبَههُ في كلامِ العربِ كثيرٌ مشهورٌ. قالوا: وإنَّما كُلِّم القومُ بما يَعقلون. قالوا: وذلك مثلُ قولِهم: عرَضْتُ الناقةَ [على الحوضِ. يُريدون: عرضتُ الحوضَ على الناقةِ] (٤). وكقولِهم: إذا طلعتِ الشِّعرَى واستوى العودُ على الحِرْباءِ. أي: اسْتَوتِ الحِرْباءُ على العودِ. كقولِ الشاعرِ (٥):


(١) هو الأخفش، كما في البحر المحيط ٦/ ٣١٣.
(٢) سقط من: ت ٢.
(٣) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن ٢/ ٣٨، ٣٩.
(٤) سقط من: م، ت ١، ت ٣، ف.
(٥) هو خداش بن زهير، والبيت في الكامل ٢/ ٦٢، واللسان (ض ط ر)، والشطر الثاني في المخصص ٢/ ٧٧ غير منسوب.