للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعُذْرِى، ولا هو أَدْنانى فأُخاصِمَ عن نفسِى، يَسمَعُنى ولا أَسْمَعُه، ويرانى ولا أرَاه، وهو محيطٌ بي، ولو تجلَّى لى لذابَتْ كُليَتاى، وصعِق رُوحِي، ولو نَفَّسَنى فأتكلَّمَ بملءِ في، ونزَع الهيبةَ مِني، علِمتُ بأيِّ ذنبٍ عَذَّبني.

نُودِى فقيل: يا أيوبُ. قال: لبَّيْكَ. قال: أنا هذا قد دَنوتُ مِنك، فقُمْ فاشدُدْ إزارَك، وقُمْ مقامَ جَبَّارٍ، فإنه لا ينبَغى لى أن يُخاصِمَنى إلا جبَّارٌ مِثلى، ولا ينبَغى أن يُخاصِمَنى إلا من يجعَلُ الزِّمامَ (١) في فَمِ الأسدِ، والسِّخالَ (٢) في فَمِ العنقاءِ (٣)، واللجامَ (٤) في فم التِّنِّينِ، ويكيلُ مكيالًا من النورِ، ويزنُ مثقالًا من الريحِ، ويَصُرُّ صُرَّةً من الشمسِ، ويرُدُّ أمسِ لغدٍ، لقد مَنَّتْك نفسُك أمرًا ما يبلُغُ بمثلِ قوَّتِك، ولو كنتَ إذ مَنَّتْك نفسُك ذلك ودَعَتْك إليه تذكَّرْتَ أيَّ مرامٍ رامَتْ بك، أرَدتَ أن تُخاصِمَنى بِغَيِّك؟ أم أرَدتَ أن تُحاجَّني بخطَئِك؟ أم أردتَ أن تُكاثِرَني بضَعْفِك؟ أين كنتَ (٥) مِنى يومَ خَلَقتُ الأرضَ فوضعتُها على أساسِها؟ هل علمتَ بأيِّ مقدارٍ قدَّرْتُها؟ أم كنتَ معى تمرُّ بأطرافِها؟ أم تعلَمُ ما بُعدُ زَواياها؟ أم علَى أيِّ شيءٍ وضَعتُ أكنافَها؟ أبطاعتِك حمَل الماءُ الأرضَ؟ أم بحكمتِك كانتَ الأرضُ للماءِ غطاءً؟ أين كُنتَ مِنِّي يومَ رفَعتُ السماءَ سَقفًا في الهواءِ لا بعلائِقَ ثبَتَتْ من فوقِها، ولا يحمِلُها دعائمُ (٦) من تحتِها؟ هل يبلُغُ من حكمتِك أن تُجرِى نورَها؟ أو


(١) في ص، م، ت ١، ف: "الزنار"، وفي ت ٢: "الزمان".
(٢) السخال جمع السخلة: ولد الشاة من المعز والضأن، ذكرًا كان أو أنثى. اللسان (س خ ل).
(٣) العنقاء: طائر ضخم ليس بالعقاب، وقيل: العنقاء المُغْرِب كلمة لا أصل لها، يقال: إنها طائر عظيم لا ترى إلا في الدهور. اللسان (ع ن ق).
(٤) في م، وعرائس المجالس: "اللحم".
(٥) في ص، ت ٢: "أنت".
(٦) في ص، ت ٢: "دعم".