نُشيرُ عليك، أرأيتَ آدمَ حينَ أخرَجْتَه من الجنةِ، من أينَ أتيتَه؟ قال: من قِبَلِ امرأتِه. قالوا: فشأنُك بأيوبَ من قبَلِ امرأتِه، فإنه لا يستطيعُ أن يَعصِيَها، وليس أحدٌ يقرَبُه غيرُها. قال: أصبْتُم. فانطلَق حتى أتى امرأتَه وهى تَصَدَّقُ، فتمثَّل لها في صورةِ رجلٍ، فقال: أينَ بعلُكِ يا أمةَ اللهِ؟ قالت: ها هو ذاك يحُكُّ قروحَه، وتتردَّدُ الدوابُّ في جسَدِه. فلما سمِعها طمِع أن تكونَ كلمةَ جزَعٍ، فوقَع في صَدْرِها، فوسْوَسَ إليها، فذكَّرها ما كانت فيه من النِّعَمِ والمالِ والدوابِّ، وذكَّرها جمالَ أيوبَ وشبابَه، وما هو فيه من الضرِّ، وأن ذلك لا ينقَطِعُ عنهم أبدًا. قال الحسنُ: فصرَخت. فلما صرَخت علِم أن قد صرَخت وجَزِعَتْ، أتاها بسَخْلةٍ، فقال: ليذبَحَ هذا إليَّ أيوبُ ويبرأُ. قال: فجاءت تصرُخُ: يا أيوبُ، يا أيوبُ، حتى متى يعذِّبُكَ رَبُّك؟ ألا يرحَمُك؟ أينَ الماشيةُ؟ أين المالُ؟ أين الولدُ؟ أين الصديقُ؟ أين لونُك الحسَنُ؟ قد تغيَّر وصارَ مثلَ الرمادِ، أين جسمُك الحسَنُ الذي قد بلى وتردَّدَ فيه الدوابُّ؟ اذبَحْ هذه السَّخْلَةَ واسترِحْ. قال أيوبُ: أتاكِ عدوُّ اللهِ فنفَخ فيكِ، فوجَد فيكِ رِفْقًا وأَجَبتِه، ويلَكِ، أرأيتِ ما تبكين عليه مما تذكُرِين مما كنا فيه من المالِ والولَدِ والصحةِ والشبابِ، من أعطانيه؟ قالت: اللهُ. قال: فكم متَّعَنا به؟ قالت: ثمانين سنةً. قال: فمُذْ كم ابتَلانا اللهُ بهذا البلاءِ الذي ابتَلانا به؟ قالت: منذُ سبعِ سنين وأشهرٍ. قال: ويلَكِ! واللهِ ما عدَلتِ ولا أنصَفتِ رَبَّك، ألا صبَرتِ حتى نكونَ في هذا البلاءِ الذي ابتلانا رَبُّنَا به ثمانين سنةً كما كُنا في الرخاءِ ثمانين سنةً؟ واللهِ لئن شفانى اللهُ لأجْلِدنَّكِ مائةَ جلدةٍ، هِيهِ، أمرتِيني أن أذْبَح لغيرِ اللهِ، طعامُك وشرابُك الذي تأتينى به عليَّ حرامٌ، وأن أذُوقَ ما تأتينى به بعدُ، إذ قلتِ لى هذا فاغرُبى عَنِّي، فلا أراكِ. فطردَها فذهَبت، فقال الشيطانُ: هذا قد وطَّن نفسَه ثمانين سنةً على هذا البلاءِ الذي هو فيه، فباء بالغلَبةِ ورفَضه. ونظَر أيوبُ إلى امرأتِه