للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُفْرِغْ سمْعِى لك (١) وبصَرى، وليلى ونهارِى، بالذكْرِ والحمدِ، والتقديسِ والتهليلِ. فينصرفُ عدوُّ اللهِ من عندِه لم يُصِبْ منه شيئًا مما يريدُ.

قال: ثم إن الله قال: كيف رأيتَ أيوبَ؟ قال إبليسُ: أيوبُ قد علم أنك سترُدُّ عليه مالَه وولده، ولكن سلِّطنى على جسَدِه، فإن أصابَه الضرُّ فيه أطاعَنى وعَصاك. قال: فسُلِّط على جسَدِه، فأتاه فنفَخ فيه نفخةً قَرِح من لَدُن قرنِه إلى قدَمِه. قال: فأصابَه البلاءُ بعدَ البلاءِ، حتى حُمِل فوُضِعَ على مَزْبَلَةِ كُناسةٍ لبنى إسرائيلَ، فلم يبقَ له مالٌ ولا ولَدٌ ولا صديقٌ ولا أحدٌ يَقرَبُه غيرُ زوجَتِه، صبَرت معه، تَصَدَّقُ (٢) و (٣) تأتيه بطعامٍ، وتحمَدُ الله معه إذا حمِد، وأيوبُ على ذلك لا يفتُرُ من ذكرِ اللهِ والتحميدِ والثناءِ على اللهِ، والصبرِ على ما ابتلاهُ اللهُ.

قال الحسنُ: فصرَخ إبليسُ عدوُّ اللهِ صرخةً جمَع فيها جنودَه من أقطارِ الأرضِ جزَعًا من صبرِ أيوبَ، فاجتَمَعوا إليه وقالوا له: اجْتَمَعْنا (٤)، ما حَزَبَك (٥)؟ ما أعياكَ؟ قال: أعيانى هذا العبدُ الذي سألتُ رَبِّي أن يُسلِّطَنى على مالِه وولَدِه، فلم أدَعْ له مالًا ولا ولَدًا، فلم يزدَدْ بذلك إلا صبرًا وثناءً على اللهِ وتحميدًا له، ثم سُلِّطتُ على جَسَدِه فترَكتُه قُرْحةً ملقاةً على كُناسةِ بنى إسرائيلَ، لا يقرَبُه إلا امرأتُه، فقد افتضَحْتُ برَبِّي، فاستعَنْتُ بكم، فأَعينونى عليه. قال: فقالوا له: أين مكرُك؟ أين عِلمُك الذي أهلَكْتَ به من مضَى؟ قال: بطَل ذلك كلُّه في أيوبَ، فأشيروا عليَّ. قالوا:


(١) سقط من: م.
(٢) في م: "بصدق"، وفى ت ٢: "فتصدق". وتصدق هنا بمعنى: تسأل. ينظر اللسان (ص د ق).
(٣) بعده في م: "كانت".
(٤) في م: "جمعتنا".
(٥) في م، ت ٢: "خبرك"، وفى ت ١، ف: "أحزنك". وحزبه الأمر: نابه، واشتد عليه، وقيل: ضغطه. اللسان (ح ز ب).