للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأن "فُعَالى" في جمعِ "فَعِيل" غيرُ مُسْتَفيضٍ في كلامِ العربِ، فإذ كان ذلك غيرَ مُسْتَفِيضٍ في كلامِهم، وكان مُسْتَفِيضًا فاشيًا فيهم جمعُ ما كان مِن الصفاتِ -التي بمعنى الآلامِ والزَّمَانةِ- واحدُه على تقديرِ "فَعيلٍ" على "فَعْلَى" كالذى وصَفْنا قبلُ، وكان أحدُ ذلك الأسيرَ - كان الواجبُ أن يُلْحَقَ بنَظائرِه وأشْكالِه فيُجْمَعَ جمعَها دونَ غيرِها ممَّن خالَفَها.

وأما مَن قرَأ: ﴿تُفَادُوهُمْ﴾. فإنه أراد: إنكم تَفْدُونهم ممن (١) أسرَهم، ويُفْدَى منكم الذين أسَرُوهم؛ ففادُوكم بهم [أسْراهم منكم] (٢).

وأما مَن قرَأ ذلك: (تَفْدوُهُمْ) فإنه أراد أنكم يا معشرَ اليهودِ إن أتاكم الذين أخْرَجْتُموهم منكم مِن ديارِهم أسْرَى، فدَيْتُموهم فاسْتَنْقَذْتُموهم.

وهذه القراءةُ أعجبُ إلىَّ مِن الأولى -أعْنِى: (أسْرَى تَفْدُوهم) - لأن الذى على اليهودِ في دينِهم فِداءُ أسْراهم بكلِّ حالٍ، فَدَى الآسِرون أسْراهم منهم أم لم يَفْدُوهم.

وأمّا قولُه: ﴿وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ﴾ فإن في قولِه: ﴿وَهُوَ﴾ وجهين مِن التأويلِ، أحدُهما: أن يكونَ كِنايةً عن الإخراجِ الذى تَقَدَّم ذكرُه، فكأنه قال: وتُخْرِجون فريقًا منكم مِن ديارِهم، وإخراجُهم مُحَرَّمٌ عليكم. ثم كرَّر الإخْراجَ الذي بعدَ ﴿وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ﴾ تكريرًا على "هو"، لمَّا حال بينَ "الإخراجِ" و ﴿وَهُوَ﴾ كلامٌ.

والتأويلُ الثانى: أن يَكونَ عِمادًا (٣) لمَّا كانت الواوُ التى مع ﴿وَهُوَ﴾ تَقْتَضِى


= على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل، والرواية إذا ثبتت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشوّ لغة؛ لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها. النشر ١/ ١٦.
(١) في م: "من".
(٢) في م: "أمراكم منهم".
(٣) هو ضمير الفصل ويسميه الكوفيون عمادا، لكونه حافظا لما بعده حتى لا يسقط عن الخبرية، أو كأنه =