للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو غيرِه مما يُعَلَّقُ به السببُ مِن فوقِه - ثم ليَخْتَنِقْ إذا اغتاظ مِن بعضِ ما قضَى اللَّهُ، فاسْتَعْجَل انكشافَ ذلك عنه، فلْيَنْظُرْ هل يُذْهِبَنَّ كيدُه اختناقَه، كذلك ما يَغِيظُ، فإن لم يُذْهِبْ ذلك غيظَه، حتى يَأْتىَ اللَّهُ بالفرجِ مِن عندِه فيُذْهِبَه، فذلك (١) استعجالُه نصرَ اللَّهِ محمدًا ودينَه، لن يُؤَخِّرَ ما قضَى اللَّهُ له مِن ذلك عن ميقاتِه، ولا يُعَجِّلَه (٢) قبلَ حينِه.

وقد ذُكِر أن هذه الآيةَ نزَلَت في أسدٍ وغَطفانَ، تَباطَئوا عن الإسلامِ، وقالوا: نَخافُ ألا يُنْصَرَ محمدٌ فيَنْقَطِعَ الذي بينَنا وبينَ حُلفائِنا مِن اليهودِ، فلا يُمِيروننا ولا يَرْوُوننا (٣). فقال اللَّهُ لهم: مَن اسْتَعْجَل مِن اللَّهِ نصرَ محمدٍ، فلْيَمْدُدْ بسببٍ إلى السماءِ فَلْيَخْتَنِقْ فلْيَنْظُرِ استعجالَه بذلك في نفسِه، هل هو مُذْهِبٌ غيظَه؟ فكذلك استعجالُه مِن اللَّهِ نصرَ محمدٍ غيرُ مُقَدِّمٍ نصرَه قبلَ حينِه.

واختَلَف أهلُ العربيةِ في ﴿مَا﴾ التي في قولِه: ﴿مَا يَغِيظُ﴾؛ فقال بعضُ نحويى البصرةِ: هي بمعنى "الذي". وقال: معنى الكلامِ: هل يُذْهِبَنَّ كيدُه الذي يَغِيظُه. قال: وحُذِفَت الهاءُ لأنها (٤) صلةُ "الذي"، لأنه إذا صارًا (٥) جميعًا اسمًا واحدًا كان الحذفُ أخفَّ.

وقال غيرُه: بل هو مصدرٌ لا حاجةَ به إلى الهاءِ هل يُذْهِبَنَّ كيدُه غيظَه.

وقولُه: ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وكما بيَّنْت


(١) في م: "فكذلك".
(٢) في م: "يعجل".
(٣) في ص، ت ١، ف: "يروننا"، وفى ت ٢: "يروينا". والقصة في البحر المحيط ٦/ ٣٥٥. وفيه: "أسلم" بدلًا من "أسد".
(٤) في ص، ت ٢: "لأنه".
(٥) في ت ٢، ف: "صار".