للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾. فكان معلومًا أن خبَرَه عن اسْتواءِ العاكفِ فيه والبادِ إنما هو في المعنى الذي ابتَدأ اللَّهُ الخبرَ عن الكفارِ (١) أنهم صدُّوا عنه المؤمنين به، وذلك لا شَكَّ طَوافُهم، وقضاءُ مناسكِهم به، والمقامُ، لا الخبرُ عن ملِكهم إياه وغيرِ ملكِهم.

وقيل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾. فعطَف بـ ﴿وَيَصُدُّونَ﴾ وهو مُسْتَقبَلٌ على ﴿كَفَرُوا﴾ وهو ماضٍ؛ لأن الصَّدَّ بمعنى الصفةِ لهم والدَّوامِ.

وإذ كان ذلك معنى الكلامِ، لم يَكُنْ إلا بلفظِ الاسمِ أو الاسْتقبالِ، ولا يكونُ بلفظِ الماضي. وإذا كان ذلك كذلك كان معنى الكلامِ: إن الذين كفَروا مِن صفتِهم الصَّدُّ عن سبيلِ اللَّهِ، وذلك نظيرُ قولِ اللَّهِ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد: ٢٨].

وأما قولُه: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ﴾. فإن قرأةَ الأمْصارِ على رفعِ (سواءٌ) بـ "العاكفِ"، و "العاكفِ" به (٢)، وإعمالِ ﴿جَعَلْنَاهُ﴾ في الهاءِ المتصلةِ به، واللامِ التي في قولِه: ﴿لِلنَّاسِ﴾. ثم استأنَفَ الكلامَ بـ "سواء"، وكذلك تفعلُ العربُ بـ "سواء"، إذا جاءتْ بعدَ حرفٍ قد تَمَّ الكلامُ به، فتقولُ: مَرَرْتُ برجلٍ سواءٌ عندَه الخيرُ والشرُّ. وقد يجوزُ في ذلك الخَفْضُ، وإنما يُخْتَارُ الرفعُ في ذلك لأن "سواء" في مذهبِ "واحد" عندَهم فكأنهم قالوا: مَرَرْتُ برجلٍ واحدٌ عندَه الخيرُ والشرُّ. وأما مَن خَفَضَه، فإنه يوجِّهُه إلى: معتدل عندَه الخيرُ والشرُّ. ومَن قال ذلك في "سواء" فاسْتأنفَ به ورفَع (٣)، لم يَقُلْه في "معتدل"؛ لأن "معتدل" فعلٌ مُصَرَّحٌ، و "سواء" مصدرٌ، فإخراجُهم إياه إلى الفعلِ كإخراجِهم "حَسْب" في


(١) بعده في ص، ت ١، ت ٢: "به".
(٢) وهى قراءة السبعة، غير عاصم في رواية حفص فإنه قرأ بالنصب. السبعة لابن مجاهد ص ٤٣٥.
(٣) بعده في ص، ت ١، ت ٢: "و".