للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولِهم: مَرَرْتُ برجلٍ حَسْبِك مِن رجلٍ. إلى الفعلِ.

وقد ذُكِر عن بعضِ القرأةِ أنه قرَأه: ﴿سَوَاءً﴾، نصبًا على إعمالِ ﴿جَعَلْنَاهُ﴾ فيه. وذلك وإن كان له وَجْهٌ في العربيةِ، فقراءةٌ لا أستجِيزُ القراءةَ بها؛ لإجماعِ الحُجَّةِ مِن القرأةِ على خلافِه (١).

وقولُه: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: ومَن يُرِدْ فيه إلحادًا بظُلْمٍ نُذِقْه مِن عذابٍ أليمٍ. وهو أن يَمِيلَ في البيتِ الحرامِ بظلمٍ.

وأُدخِلت الباءُ في قولِه: ﴿بِإِلْحَادٍ﴾. والمعنى فيه ما قلتُ، كما أُدخِلت في قولِه: ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ [المؤمنون: ٢٠]، والمعنى: تَنْبُتُ الدُّهْنَ. كما قال الشاعرُ (٢):

بوادٍ يَمَانٍ يُنْبِتُ الشَّثَّ صَدْرُهُ … وأسْفَلُه بالمرْخِ والشَّبَهانِ

والمعنى: وأسفلُه يُنْبِتُ المَرْخَ والشَّبَهانَ. وكما قال أعْشَى بنى ثَعْلبةَ (٣):

ضَمِنَتْ برِزْقِ عِيَالِنَا أَرْماحُنا … بيَن المَراجِلِ والصَّرِيحِ الأجْرَدا

بمعنى: ضَمِنَت رزْقَ عِيالِنا أرماحُنا. في قولِ بعضِ نحويِّى البصريِّين، وأما بعضُ نحويِّى الكوفيِّين، فإنه كان يقولُ (٤): أُدخلت الباءُ فيه لأن تأويلَه: ومَن يُرِدْ بأن يَلْحَدَ فيه بظُلْمٍ. وكان يقولُ: دخولُ الباءِ في "أنْ" أسهلُ منه في "إلحادٍ" وما أشْبَهَه؛ لأن "أنْ" تُضْمَرُ الخَوافِضُ معها كثيرًا، وتكونُ كالشَّرْطِ فاحتَمَلت دخولَ الخافضِ وخروجَه؛ لأن الإعرابَ لا يَتَبَيَّنُ فيها، وقلَّ (٥) في


(١) قراءة النصب متواترة كقراءة الرفع.
(٢) تقدم تخريجه في ١٥/ ٥١٣.
(٣) ديوانه ص ٢٣١.
(٤) هو الفراء في معاني القرآن ٢/ ٢٢٢.
(٥) في النسخ: "قال". والمثبت من معاني القرآن للفراء ٢/ ٢٢٢.