يقولُ تعالى ذكرُه: وعَهِدْنا إليه أيضًا أن ﴿أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾. يعنى بقولِه: ﴿وَأَذِّنْ﴾: فأَعْلِمْ ونادِ في الناسِ، أن حُجُّوا أيها الناسُ بيتَ اللَّهِ الحرامَ. ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا﴾. يقولُ: فإنَّ الناسَ يَأْتون البيتَ الذي تَأْمُرُهم بِحَجِّه مُشَاةً على أرجُلِهم، ﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾. يقولُ: ورُكْبانًا على كلِّ ضامِرٍ؛ وهي الإبلُ المَهَازِيلُ، ﴿يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾. يقولُ: تَأْتى هذه الضَّوامِرُ ﴿مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾. يقولُ: مِن كلِّ طريقٍ ومكانٍ ومَسْلَكٍ بعيدٍ.
وقِيلَ: ﴿يَأْتِينَ﴾، فجَمَع؛ لأنه أُرِيد بـ ﴿كُلِّ ضَامِرٍ﴾، النُّوقُ. ومعنى "الكلِّ" الجَمْعُ. فلذلك قِيلَ: ﴿يَأْتِينَ﴾.
وقد زعَم الفَرَّاءُ (١) أنه قليلٌ في كلامِ العربِ: مَرَرْتُ على كلِّ رجلٍ قائِمِينَ. قال: وهو صوابٌ.
وقولُ اللَّهِ: ﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ﴾. يُنبئُ عن صحةِ جَوازِه.
وذُكِر أَنَّ إبراهيمَ صلواتُ اللَّهَ عليه لَمَّا أمَرَه اللَّهُ بالتَّأْذِينِ بالحجِّ، قام على مَقامِه فنادَى: يأيُّها الناسُ، إنَّ اللَّهَ كَتَب عليكم الحجَّ فحُجُّوا بيتَه العتيقَ.
وقد اخْتُلِف في صفةِ تَأْذِينِ إبراهيمَ بذلك؛ فقال بعضُهم: نادَى بذلك كما حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا جَرِيرٌ، عن قابوسَ، عن أبيه، عن ابن عباسٍ، قال: لمَّا فرَغ إبراهيمُ مِن بِناءِ البيتِ، قيلَ له: أذِّن في الناسِ بالحجِّ. قال: ربِّ، وما يَبْلُغُ