للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون من أهلِ هذه القراءةِ: إنما معنى الكلامِ: فَتَفرَّقوا دينَهم بينَهم كُتبًا أحدَثوها، يَحْتَجُّون فيها لمذاهبِهم.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾. قال: هذا ما اختَلَفُوا فيه من الأديانِ والكتبِ، كلٌّ مُعْجَبُون برأيِهم، ليس أهلُ هوًى إلَّا وهم مُعْجَبون برأْيِهم وهواهم وصاحبِهم الذى اخترَق ذلك لهم (١).

وقرأ ذلك عامةُ قرأةِ الشامِ: (فتقطَّعوا أمرَهم بينَهم زُبَرًا). بضمِّ الزاي وفتحِ الباءِ، بمعنى: فتفرَّقوا (٢) بينهم قِطَعًا كزُبَرِ الحديدِ. وذلك القِطَعُ منها، واحدتُها زُبْرةٌ، من قولِ اللهِ: ﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾ [الكهف: ٩٦]. فصار بعضُهم يهودًا، وبعضُهم نصارى.

والقراءةُ التي نختارُ فى ذلك قراءةُ من قرأه بضمِّ الزايِ والباءِ؛ لإجماعِ أهلِ التأويلِ في تأويلِ ذلك على أنه مرادٌ به الكتبُ، فذلك يُبينُ عن صحةِ ما اخترنا (٣) في ذلك؛ لأنَّ الزُّبُرَ هى الكتبُ، يُقالُ منه: زَبَرْتُ الكتابَ، إذا كتبتَه.

فتأويلُ الكلامِ: فتَفَرَّقَ الذين أمرَهم اللهُ بلزومِ دينِه من الأممِ دينَهم بينَهم كُتبًا. كما بيَّنا قبلُ.

وقولُه: ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾. يقولُ: كلُّ فريقٍ من تلك الأممِ بما


(١) عزاه السيوطى فى الدر المنثور ٥/ ١١ إلى المصنف وابن أبي حاتم.
(٢) بعده في م: "أمرهم".
(٣) في ص، ت ٢: "أخبرنا".