للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سوءًا أو ألمَمْتِ، فتوبى إلى اللَّهِ فإن اللَّهَ يقبلُ التوبةَ عن عبادِه". وقد جاءت امرأةٌ مِن الأنصارِ، وهي جالسةٌ، فقلتُ: ألا تستحِى من هذه المرأةِ أن تقولَ شيئًا؟ فقلتُ لأبي: أجِبْه. فقال: أقولُ ماذا؟ قلت لأمِّي: أجيبيه. فقالت: أقولُ ماذا؟ فلما لم يجيباه تشهَّدتُ، فحمِدتُ اللَّهَ، وأثنَيتُ عليه بما هو أهلُه، ثم قلت: أما بعدُ، فواللَّهِ لئن قلتُ لكم: إنى لم أفعَلْ، واللَّهُ يعلمُ إنى لصادقةٌ، ما ذا بنافِعي عندَكم، لقد تُكُلِّم به، وأُشْرِبَتْهُ قلوبُكم، وإن قلت: إني قد فعَلتُ، واللَّهُ يعلمُ أني لم أفعَلْ، لتَقولُنَّ (١): قد باءت به على نفسِها. وايمُ اللَّهِ مَا أجدُ لي ولكم مثلًا إلا كما قال أبو يوسفَ وما أحفظُ اسمَه: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف: ١٨]. وأنزَل اللَّهُ على رسولِه ساعتَئذٍ، فرُفِع عنه وإني لأتبينُ (٢) السرورَ ما في وجهِه، وهو يمسحُ جبينَه، يقولُ: "أبشِري يا عائشةُ، فقد أنزَل اللَّهُ براءَتَكِ". فكنتُ أشدَّ ما كنتُ غضبًا، فقال لى أبوايَ: قُومى إلى رسولِ اللَّهِ . فقلتُ: واللَّهِ لا أقومُ إليه، ولا أحمَدُه، ولا أحمَدُ كما، لقد سمِعتموه فما أنكَرتُموه، ولا غيَّرتموه، ولكنى أحمَدُ اللَّهُ الذي أنزَل براءتى. ولقد جاء رسولُ اللَّهِ بيتي، فسأل الجاريةَ عنى، فقالت: واللَّهِ ما أعلمُ عليها عيبًا، إلا أنها كانت تنامُ حتى تدخلَ الشاةُ فتأكلَ حصيرَها أو عجينَها. فانتهرَها بعضُ أصحابِه، وقال: اصْدُقى رسولَ اللَّهِ قال عروةُ: فعتَب على مَن قاله. فقالت: لا، واللَّهِ ما أعلمُ عليها إلا ما يعلمُ الصائغُ على تبرِ (٣) الذهبِ الأحمرِ. وبلَغ ذلك الرجلَ الذي قيل له، فقال: سبحانَ اللَّهِ! ما كشَفتُ كَنَفَ (٤) أنثى قطُّ. فقُتِل شهيدًا في سبيلِ اللَّهِ. قالت


(١) في ص، ت ٢: "ليقولن".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "لأستنير"، وتنظر مصادر التخريج.
(٣) في ت ٢: "مبرد"، والتبر: الذهب قبل أن يضرب دنانير ودراهم. النهاية ١/ ١٧٩.
(٤) الكنف: الجانب والناحية. النهاية ٤/ ٢٠٥.