للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال ابن معاذٍ: اللَّهُ أعلمُ ما أردتُ. فقام أُسَيدُ بنُ حُضَيرٍ، فقال: يابنَ عبادةَ، إن سعدًا ليس شديدًا، ولكنك تجادلُ عن المنافقين، وتدفعُ عنهم. وكثُر اللَّغَطُ في الحيَّينِ في المسجدَ، ورسولُ اللَّهِ جالسٌ على المنبرِ، فما زال النبيُّ يومئُ بيدِه إلى الناسِ هاهنا وهاهنا، حتى هدَأ الصوتُ.

وقالت عائشةُ: كان الذي تولَّى كِبْرَه، والذي يجمعُهم في بيتِه، عبدُ اللَّهِ بنُ أبُيٍّ ابن سلولُ. قالت: فخرَجتُ إلى المَذْهَبِ ومعى أمُّ مسطحٍ، فعثَرَتْ، فقالتْ: تَعِس مِسْطَحٌ! فقلت: غفَر اللَّهُ لك، أتقولين هذا لابنِك، ولصاحبِ رسولِ اللَّهِ ؟ قالت ذلك مرَتين، وما شعَرتُ بالذي كان، فحُدِّثتُ فذهَب عنى الذي خرَجتُ له، حتى ما أجدُ منه شيئًا، ورجَعت على أبويَّ؛ أبى بكرٍ، وأمِّ رُومانَ، فقلت: أما اتَّقَيْتُما اللَّهَ فيَّ، وما وصَلتما رَحِمى؟! قال النبيُّ الذي قال، وتحدَّث الناسُ بالذي تحدَّثوا به، ولم تُعْلِمانِيه، فأُخْبِرَ رسولَ اللَّهِ ؟! قالت: أي بنيةُ، واللَّهِ لقلَّما أحبَّ رجلٌ امرأتَه قطُّ، إلا قالوا لها نحوَ الذي قالوا لك، أي بنيةُ، ارجِعى إلى بيتِك حتى نأتيَكِ فيه. فرجَعتُ وارتكَبني صالِبٌ من حُمَّى (١)، فجاء أبواىَ فدخلا، وجاء رسولُ اللَّهِ حتى جلَس على سريري وِجاهى، فقالا: أي بنيةُ، إن كنتِ صنَعتِ ما قال الناسُ، فاستغفِرى اللَّهَ، وإن لم تكوني صنَعتِه، فأخبِرى رسولَ اللَّهِ بعذرِك (٢). قلت: ما أجدُ لى ولكم إلا كأبي يوسفَ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف: ١٨]. قالت: فالتمَست اسمَ يعقوبَ، فما قدَرتُ - أو: فلم أقدِرْ عليه - فشخَص بصرُ رسولُ اللَّهِ إلى السقفِ، وكان إذا نُزِّل عليه وَجَد قالَ اللَّهِ (٣): ﴿إِنَّا سَنُلْقِي


(١) الصالب من الحمى: الحارة غير النافض، وقيل: التي معها حر شديد .. اللسان (ص ل ب).
(٢) سقط من: ت ٢.
(٣) القال مصدر بمعنى القول، والمراد وجد قال الله، أي: أدركه قول الله ﷿ وتحقق فيه.