للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقالوا: دُرِّئٌ. كما قيل: ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ [مريم: ٨]. وهو فُعُولٌ، مِن: عتَوْتُ عُتُوًّا، ثم حُوِّلت بعضُ ضماتِها إلى الكسرِ، فقيل: عِتِيًّا. فهو مذهبٌ، وإلا فلا أَعْرِفُ لصحةِ قراءتِهم ذلك كذلك وجهًا، وذلك أنه لا يُعْرَفُ في كلامِ العربِ "فُعِّيل". وقد كان بعضُ أهلِ العربية يقولُ: هو لحنٌ (١).

والذي هو أولى القراءاتِ عندى في ذلك بالصوابِ قراءةُ مَن قرأَ: ﴿دُرِّيٌّ﴾ بضمِّ دالِه وتركِ همزِه، على النسبةِ إلى الدُّرِّ؛ لأن أهلَ التأويلِ بتأويلِ ذلك جاءُوا، وقد ذكَرْنا أقوالَهم في ذلك قبلٌ، ففى ذلك مُكْتَفًى عن الاستشهادِ على صحتِها بغيرِه، فتأويلُ الكلامِ: ﴿الزُّجَاجَةُ﴾، وهى صدرُ المؤمنِ، ﴿كَأَنَّهَا﴾: يعنى كأن الزجاجةَ، وذلك مثلٌ لصدرِ المؤمنِ، ﴿كَوْكَبٌ﴾. يقولُ: في صفائِها وضيائِها وحسنِها. وإنما يَصِفُ صدرَه بالنقاءِ مِن كلِّ ريبٍ وشكٍّ في أسبابِ الإيمانِ باللهِ، وبعدِه مِن دَنَسِ المعاصى، كالكوكبِ الذي يُشْبِهُ الدُّرَّ في الصفاءِ والضياءِ والحسنِ.

واخْتَلَفوا أيضًا في قراءةِ قولِه: ﴿يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾؛ فقرأ ذلك بعضُ المكيِّين والمدنيِّين وبعضُ البصريين: (تَوَقَّدَ مِن شجرةٍ) بالتاءِ، وفتحِها، وتشديدِ القافِ، وفتحِ الدالِ (٢)، وكأنهم وجَّهوا معنى ذلك إلى: توقَّدَ المصباحُ مِن شجرةٍ مباركةٍ.

وقرَأه بعضُ عامةِ قرأةِ المدنيين: ﴿يُوقَدُ﴾ بالياءِ، وتخفيفِ القافِ، ورفعِ الدالِ (٣)، بمعنى: يُوقَدُ المصباحُ، مَوْقِدُه مِن شجرةٍ. ثم لم يُسَمَّ فاعلُه.

وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفةِ: (تُوقَدُ) بضمِّ التاءِ، وتخفيفِ القافِ، ورفعِ


(١) ينظر تهذيب اللغة ١٤/ ١٥٨، واللسان (د ر أ).
(٢) هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو. حجة القراءات ص ٥٠٠.
(٣) هي قراءة نافع وابن عامر وحفص. المصدر السابق.