للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ تعالى ذكرُه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ باللهِ ورسولهِ ﴿مِنْكُمْ﴾ أيُّها الناسُ، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾. يقولُ: وأطاعوا اللَّهَ ورسولَه فيما أمَراه ونَهَياه - ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾. يقولُ: لَيُورِثنَّهم اللهُ أرضَ المشركين مِن العربِ والعَجَمِ، فيجعلُهم مُلُوكَها وساستَها، ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾. يقولُ: كما فعَل مِن قَبْلِهم ذلك ببنى إسرائيلَ، إذ أهْلَك الجبابرةَ بالشامِ، وجعَلهم مُلُوكَها وسُكَّانَها، ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾. يقولُ: وَلَيُوَطِّئَنَّ لهم دينَهم، يعنى مِلَّتَهم التي ارْتَضاها لهم، فأمَرهم بها.

وقيل: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾. ثم تَلَقَّى ذلك بجوابِ اليمينِ بقولِه: ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ﴾؛ لأن الوعدَ قولٌ يَصْلُحُ فيه "أن" وجوابُ اليمينِ، كقولِه: وَعَدْتُك أن أُكْرِمَك، ووعدتُك لأُكْرِمَنَّك.

واختَلَفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ﴾. فقرأَته عامةُ القرأةِ: ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ﴾. بفتحِ التاءِ واللامِ (١)، بمعنى: كما اسْتَخْلَفَ الله الذين مِن قبلِهم مِن الأممِ. وقَرأ ذلك عاصمُ (٢): (كَما اسْتُخْلِفَ) بضمِّ التاءِ، وكسرِ اللامِ، على مذهبِ ما لم يُسَمَّ فاعلُه.

واختَلفوا أيضًا في قراءةِ قولِه: ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ﴾. فقَرأ ذلك عامةُ قرأةِ الأمصارِ سوى عاصمٍ: ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ﴾ (٣). بتَشْديدِ الدالِ، بمعنى: وليُغَيِّرَنَّ حالَهم عما هي عليه من الخوفِ إلى الأمنِ. والعربُ تقولُ: قد بُدَّلَ فلانٌ. إذا غُيِّرَت حالُه ولم يأتِ


(١) هي قراءة ابن كثير ونافع وأبى عمرو وحمزة والكسائي وابن عامر وحفص عن عاصم. السبعة لابن مجاهد ص ٤٥٨.
(٢) في رواية أبي بكر. المصدر السابق.
(٣) وبها قرأ حمزة والكسائي وابن عامر ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم. المصدر السابق ص ٤٥٨، ٤٥٩.