للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مكانَ فلانٍ غيرُه. وكذلك كلُّ مغيَّرٍ عن حالِه، فهو عندَهم مُبَدَّلٌ، بالتَّشْدِيدِ، وربما قيل بالتَّخْفيفِ، وليس بالفصيحِ. فأما إذا جعَل مكانَ الشيءِ المُبَدَّلِ غيرَه، فذلك بالتخفيفِ: أبْدَلتُه فهو مُبْدَلٌ. وذلك كقولِهم: أُبْدِل هذا الثوبُ. أي: جُعِل مكانَه آخَرُ غيرُه، وقد يقالُ بالتشديدِ، غيرَ أن الفصيحَ مِن الكلامِ ما وصَفتُ. وكان عاصمٌ (١) يقرؤُه: ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ﴾ بتَخْفِيفِ الدالِ.

والصوابُ مِن القراءةِ في ذلك التشديدُ، على المعنى الذي وصفتُ قبلُ؛ لإجماعِ الحجَّةِ مِن قرأةِ الأمصارِ عليه، وأن ذلك تَغْيِيرُ حالِ الخوفِ إلى الأمنِ، وأَرَى أَنَّ عاصمًا ذهَب إلى أن الأمنَ لمَّا كان خلافَ الخوفِ، وَجَّه المعنى إلى أنه ذهَب بحالِ الخوفِ، وجاء بحالِ الأمنِ، فخَفَّف ذلك.

ومِن الدليلِ على ما قُلنا، مِن أن التَّخْفيفَ إنما هو ما كان في إبْدالِ شيءٍ مكانَ آخَرَ - قولُ أَبي النَّجْمِ (٢):

عَزْلَ الأميرِ للأميرِ المُبْدَلِ

وقولُه: ﴿يَعْبُدُونَنِي﴾. يقولُ: يَخْضَعون لى بالطاعةِ، ويَتَذَلُّلون لأمْرِى ونَهْيِى، ﴿لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾. يقولُ: لا يُشْرِكون في عبادتِهم إياى الأوثانَ والأصنامَ، ولا شيئًا غيرَها (٣)، بل يُخْلِصون لى العبادةَ، فيُفْرِدونها لى، دونَ كلِّ ما عُبِد مِن شيءٍ غيرى.

وذُكِر أن هذه الآيةَ نزَلت على رسولِ اللهِ مِن أجلِ شِكايةِ بعضِ أصحابهِ إليه، في بعضِ الأوقاتِ التي كانوا فيها مِن العدوِّ في خوفٍ شديدٍ، مما هم فيه من


(١) في رواية أبي بكر، وبها قرأ ابن كثير. السبعة لابن مجاهد ص ٤٥٩.
(٢) ديوانه ص ٢٠٤.
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "غيره".