للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اليدِ. وإنَّما قِيلَ ذلك بإضافتِه إلى اليدِ؛ لأن عُظْمَ جِناياتِ الناسِ بأيديهم، فجَرَى الكلامُ باستعمالِ إضافةِ الجناياتِ التى يجنيها النَّاسُ إلى أيديهم، حتى أُضِيفَ كلُّ ما عُوقِبَ عليه الإنسانُ مما جَناه بسائرِ أعضاءِ جسدِه إلى أنها عقوبةٌ على ما جَنَتْه يَداه (١)، فلذلك قال جل ثناؤُه للعربِ: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ يعني به: ولن يَتَمنَّى اليهودُ الموتَ بما قدَّموا أمامَهم في حياتِهم مِن كفرِهم باللهِ، في مخالفتِهم أمرَه وطاعتَه في اتباعِ محمدٍ وما جاءهم (٢) به مِن عندِ اللهِ، وهم يَجِدونه مكتوبًا عندَهم في التوراةِ، ويَعْلمون أنه نبىٌّ مبعوثٌ. فأضاف جل ثناؤُه ما انْطَوت عليه قلوبُهم، وأضْمَرته نفوسُهم، ونَطَقت به ألسنتُهم؛ مِن حسدِ محمدٍ والبغىِ عليه، وتكذيبِه وجُحودِ رسالتِه - إلى أيديهم، وأنَّه مما قدَّمته أيديهم لعلمِ العربِ بمعنى ذلك في منطقِها وكلامِها، إذ كان جل ثناؤُه إنما أنزَل القرآنَ بلسانِها، وبلغتِها خاطَبها (٣).

ورُوِىَ عن ابنِ عباسٍ في ذلك ما حدَّثنا به أبو كريبٍ، قال: ثنا عثمانُ بنُ سعيدٍ، قال: ثنا بشرُ بنُ عُمارةَ، عن أبي رَوْقٍ، عن الضَّحاكِ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ يقولُ: بما أسْلَفت أيديهم (٤).

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: حدَّثنى حجاجٌ، عن ابنِ جُرَيجٍ: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾. قال: إنهم عَرَفوا أن محمدًا نبىٌّ فكَتَموه.

وأما قولُه: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ فإنه يعني جل ثناؤُه: واللهُ ذو علمٍ بظَلَمةِ بنى آدمَ -يهودِها ونَصارَاها وسائرِ أهلِ [مللِها غيرِهم] (٥) - وما يَعْملون.


(١) في م: "يده".
(٢) في م: "جاء".
(٣) سقط من: م.
(٤) ليست في: الأصل.
(٥) في م: "الملل غيرها".