للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن أبي بكرٍ بن عبدِ اللهِ، قال: أقبَل فرعونُ، فلمَّا أشرَف على الماءِ قال أصحابُ موسى: يا مُكَلِّمَ اللهِ، إن القومَ يَتْبَعوننا في الطريقِ، فاضرِبْ بعصاك البحرَ فاخْلطه. فأرادَ موسى أن يفعلَ، فأوحَى اللهُ إليه أن ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا﴾. يقولُ: أَقرَّه (١) على سَكَناتِه، ﴿إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ﴾ [الدخان: ٢٤]. إنما أمكرُ بهم، فإذا سَلَكوا طريقَكم غَرَّقْتُهم، فلما نظَر فرعونُ إلى البحرَ قال: ألَا تَرَون البحرَ فَرِقَ منى، حتى تَفَتَّحَ لي، حتى أُدِركَ أعدائي فأقتُلَهم؟ فلما وقَف على أفواهِ الطرقِ وهو على حصانٍ، فرأى الحصانُ البحرَ فيه أمثالُ الجبالِ هابَ وخافَ، وقال فرعونَ: أنا راجعٌ. فمكَر به جبريلُ ، فأقبَل على فرسٍ أنثى، فأدْناها مِن حصانِ فرعونَ، فطَفِقَ فرسُه لا يَقَرُّ، وجعَل جبريلُ يقولُ: تَقَدَّم. ويقولُ: ليس أحدٌ أحقُّ بالطريقِ منك، فتَشامَّتِ الحُصُنُ الماديانةَ، فما مَلَكَ فرعونُ فرسَه أن وَلَجَ على أثَرِه، فلمَّا انتَهى فرعونُ إلى وسط البحرَ، أوحَى اللهُ: إلى البحر خُذْ عبدىَ الظالمَ وعبادىَ الظَّلَمةَ، سُلطاني فيك؛ فإني قد سَلَّطتك عليهم. قال: فتَغَطْمَطَتْ (٢) تلك الفِرَقُ مِن الأمواج كأنها الجبالُ، وضرَب بعضُها بعضًا، فلما أدرَكه الغَرَقُ قال: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: ٩٠]. وكان جبريلُ شديدَ الأَسَفِ عليه؛ لِما رَدَّ مِن آيات اللهِ، ولطولِ علاجِ موسى إياه، فدخَل في أسفلِ البحرِ، فأخرَج طينًا، فحَشَاه في فَمِ فرعونَ لكيلا يقولَها الثانية، فتُدْرِكَه الرحمةُ. قال: فبعَث اللهُ إليه ميكائيلَ يُعَيِّرُه: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾؟ [يونس: ٩١]. وقال جبريلُ: يا محمدُ، ما أبغَضْتُ أحدًا من خلقِ اللَّهِ ما أَبغَضتُ اثنين؛ أحدُهما مِن الجنِّ، وهو إبليسُ، والآخرُ فرعون، قال: أنا ربُّكم الأعلى. ولقد رأيتُنى يا محمدُ وأنا أحْشُو في فِيهِ مخافةَ أن يقولَ كلمةً يرحمُه اللهُ بها.


(١) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣، ف: "أمره".
(٢) التغطمط: صوت معه بحح. اللسان (غطمط).