للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد زعَم بعضُهم (١) أن معنى قولِه: ﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ﴾: وجَمَعْنا. قال: ومنه ليلةُ المُزْدَلِفةِ. قال: ومعنى ذلك أنها ليلةُ جَمْعٍ. وقال بعضُهم: ﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ﴾: وأهْلكْنا.

وقولُه: ﴿وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وأنجْيَنا موسى [بما أشْقَيْنا] (٢) به فرعونَ وقومَه مِن الغَرَقِ في البحرِ، ومَن مع موسى مِن بنى إسرائيلَ أجمعين.

وقولُه: ﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ﴾. يقولُ: ثم أَغرَقْنا فرعون وقومَه مِن القِبْطِ في البحرِ، بعد أن أنجْيَنا موسى منه ومَن معه.

وقولُه: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: إن فيما فعلتُ بفرعونَ ومَن معه؛ مِن تَغْريِقي إياهم في البحرِ، إذ كَذَّبوا رسولى موسى، وخالَفوا أمرى بعدَ الإعْذارِ إليهم والإنْذارِ - لدلالةً بينةً يا محمدُ لقومِك مِن قريشٍ، على أن ذلك سُنَّتى في من سلَك سبيلَهم مِن تَكْذيبِ رُسُلى، وعظةً لهم وعبرةً - إنِ ادَّكروا واعتَبروا - أن يفعلوا مثلَ فعلِهم في تكذيبِك، مع البرهانِ والآياتِ التي قد أتَتْهم، فَيحِلُّ بهم من العقوبةِ نظيرُ ما حَلَّ بهم، ولك أيضًا آيةٌ في فعلى بموسى، وتَنْجيتي إياه - بعد طُولِ علاجِه فرعونَ - وقومَه منه، وإظْهارِى إياه، وتوريثِهِ وقومَه دورَهم وأرضَهم وأموالَهم، على أنِّى سالكٌ فيك سبيلَه إن أنت صبرتَ صبرَه، وقُمتَ مِن تبليغِ الرسالةِ إلى مَن أرسلتُك إليه قيامَه، ومُظْهرُك على مُكَذِّبيك، ومُعْليك عليهم، ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.

يقولُ: وما كان أكثر قومك يا محمدُ مؤمنين، بما أتاك اللهُ مِن الحقَّ المبينِ، فسابقٌ لهم في علمى أنهم لا يؤمنون،

﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ


(١) يقصد أبا عبيدة في مجاز القرآن ٢/ ٨٧.
(٢) في م، ت ١، ت ٢: "مما أتبعنا"، وفي ت ٢: "بما أتبعنا".