للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فـ"زيدٌ" مثبَتٌ له القيامُ؛ لأنه مُسْتَثْنًى مما قبلَ "إلا"، وما قبلَ "إلا" منفيٌّ عنه القيامُ، و (١) أن يكونَ ما بعَده - إن كان ما قبلَه مثبَتًا - منفيًّا، كقولِهم: قام القومُ إلا زيدًا. فـ "زيدٌ" منفيٌّ عنه القيامُ، ومعناه: إن زيدًا لم يَقُمْ. والقومُ مثبَتٌ لهم القيامُ.

و (١) ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾، فقد أمَّنه اللهُ بوعدِه الغفرانَ والرحمةَ، وأَدْخَله في عِدادِ مَن لا يَخافُ لديه من المرسَلين؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: أُدْخِلَت "إلا" في هذا الموضعِ؛ لأن "إلا" تَدْخُلُ في مثلِ هذا الكلامِ، كمثلِ قولِ العربِ: ما أشْتَكِى إلا خيرًا. فلم يَجْعَلْ قولَه: إلا خيرًا، على الشكوى، ولكنه علِم أنه إذا قال: ما أشْتَكِى شيئًا. أنه يَذْكُرُ عن نفسِه خيرًا، كأنه قال: ما أَذْكُرُ إلا خيرًا.

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ (٢): يقولُ القائلُ: كيف صُيِّر خائفًا من ظلَم، ثم بَدَّل حسنًا بعدَ سوءٍ، وهو مغفورٌ له؟ فأقولُ له: في هذه الآيةِ وجهان؛ أحدُهما، أن يقولَ: إن الرسلَ معصومةٌ (٣)، مغفورٌ لها، آمِنةٌ يومَ القيامةِ، ومَن خلَط عملًا صالحًا وآخرَ سيئًا فهو يَخافُ ويَرْجو. فهذا وجه. والآخرُ، أن يجعل الاستثناءَ من الذين تُركوا في الكلمةِ؛ لأن المعنى: لا يخافُ لديَّ المُرْسَلون، إنما الخوفُ على مَن سِواهم. ثم اسْتَثْنَى فقال: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ﴾. يقولُ: كان مُشْرِكًا فتابَ مِن الشِّرْكِ، وعمِل حُسْنًا، فذلك مغفورٌ له، وليس بخائفٍ (٤).

قال: وقد قال بعضُ النحويِّين (٥): إن "إلَّا" في اللغةِ بمنزلةِ "الواوِ"، وإنما معنى هذه الآيةِ: لا يخافُ لديَّ المُرسَلون، ولا مَن ظلَم ثم بدَّل حُسْنًا. قال:


(١) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، ف.
(٢) هو الفراء في معاني القرآن ٢/ ٢٨٧.
(٣) في ت ١، ت ٢: "معصومون".
(٤) في ت ١، ت ٢: "يخاف".
(٥) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن ١/ ٦٠. وينظر ما تقدم في ٢/ ٦٨٨.