للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجعَلوا مثلَه كقولِ اللهِ: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا (١) الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠]. قال: ولم أجِدِ العربيةَ تَحتملُ ما قالوا؛ لأنى لا أجيزُ: قامَ الناسُ إلا عبدَ اللهِ، وعبدُ اللهِ قائمٌ، إنما معنى الاستثناءِ أن يخرجَ الاسمُ الذي بعدَ "إلا" من معنى الأسماءِ التي قبلَ "إلا"، وقد أراه جائزًا أن يقولَ: لى عليك ألفٌ سِوى ألفٍ آخرَ. فإن وضعتَ "إلا" في هذا الموضعِ صَلَحَت، وكانت "إلا" في تأويلِ ما قالوا، فأما مُجرَّدةً قد اسُتثْنِى قليلُها من كثيرِها فلا، ولكن مثلُه مما يكونُ معنى "إلا" كمعنى "الواوِ" وليست بها، قولُه: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ [هود: ١٠٧] هو في المعنى: والذي شاء ربُّك مِن الزيادةِ. فلا تُجعَلُ "إلا" بمنزلةِ "الواوِ"، ولكن بمنزلةِ "سِوى"، فإذا كانت "سوى" في موضعِ "إِلَّا" صَلَحَت بمعنى "الواوِ"؛ لأنك تقولُ: عندى مالٌ كثيرٌ سوى هذا. أي: وهذا عندى. كأنك قلتَ: عندى مالٌ كثيرٌ، وهذا أيضًا عندى. وهو في "سِوى" أبعدُ منه في "إلا"؛ لأنك تقولُ: عندى سوى هذا. ولا تقولُ: عندى إلا هذا.

قال أبو جعفرٍ: والصوابُ مِن القولِ في قولِه: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ﴾. عندى غيرُ ما قاله هؤلاء الذين حكَينا قولَهِم مِن أهلِ العربيةِ، بل هو القولُ الذي قالَه الحسنُ البصريُّ وابنُ جُرَيجٍ، ومَن قال قولَهما؛ وهو أن قولَه: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ استثناءٌ صحيحٌ مِن قولِه: ﴿لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾. إلا مَن ظلَم منهم فأتَى ذَنْبًا، فإنه خائفٌ لدَيه مِن عُقُوبَتِه.

وقد بيَّن الحسنُ معنى قيلِ اللهِ موسى ذلك، وهو قولُه: قال: إنى إنما أَخَفْتُك لَقَتْلِك النفسَ.


(١) في ص، ت ٢: "ولا".