للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال قائلٌ: فما وجهُ قِيلِه إن كان قولُه: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ استثناءً صحيحًا، وخارجًا من عدادِ مَن لا يخافُ لديه مِن المرسلين؟ وكيف يكونُ خائفًا من كان قد وُعِد الغفرانَ والرحمةَ؟

قيل: إن قولَه: ﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾. كلامٌ آخرُ بعدَ الأَوَّلِ، وقد تناهَى الخبرُ عن الرسلِ ممَّن ظلَم منهم ومن لم يظلِمْ عندَ قولِه: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ﴾. ثم ابتَدأ الخبرَ عمَّن ظلَم مِن الرسلِ، وسائرِ الناسِ غيرِهم. وقيل: فمَن ظلم ثم بدَّل حُسْنًا بعدَ سُوءٍ فإني له غفورٌ رحيمٌ.

فإن قال قائلٌ: فعلامَ تَعْطِفُ، إن كان الأمرُ كما قلتَ، بـ ﴿ثُمَّ﴾، إن لم يَكُنْ عطفًا على قولِه: ﴿ظَلَمَ﴾؟

قيل: على متروكٍ اسْتُغْنِى بدلالةِ قولِه: ﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾ عليه عن (١) إظْهارِه، إذ كان قد جرَى قبلَ ذلك مِن الكلامِ نظيرُه، وهو: فمَن ظلَم مِن الخلقِ. وأما الذين ذكَرنا قولَهم مِن أهلِ العربيةِ، فقد قالوا على مذهبِ العربيةِ، غيرَ أنهم أغفَلوا معنى الكلمةِ، وحمَلوها على غيرِ وَجْهِها من التأويلِ، وإنما ينبغى أن يُحمَلَ الكلامُ على وجهِه مِن التأويلِ، ويُلْتَمَسَ له على ذلك الوجهِ للإعرابِ في الصحةِ، مَخْرَجٌ، لا على إحالةِ الكلمةِ عن معناها ووَجْهها الصحيحِ مِن التأويلِ.

وقولُه: ﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: فمَن أتَى ظُلْمًا مِن خلقِ اللهِ، ورَكِب مأثمًا، ﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا﴾. يقولُ: ثم تابَ مِن ظُلْمِه ذلك، وركوبِه المأثمَ، ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢)﴾. يقولُ: فإني ساترٌ على ذنبِه وظلمِه ذلك،


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، ف: "و".
(٢) سقط من: م.