للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان يُرِيدُ الدنيا علِمْتُه، وإن كان يُرِيدُ الآخرة علِمْتُه (١).

وقوله: ﴿فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾: تقولُ: فَأَنْظُرُ بِأَيِّ شَيْءٍ مِن خبرِه وفِعلِه في هديتى التي أرسلها إليه يَرْجِعُ رُسُلى؟ أبقَبول وانصراف عنا، أم بردِّ الهديةِ والثباتِ على مطالبتنا باتباعه (٢) على دينه؟

وأُسقطت الألفُ من "ما" في قولِه: ﴿بِمَ﴾، وأصله "بما"؛ لأنَّ العرب إذا كانت "ما" بمعنى: "أيٍّ" ثم وصَلوها بحرف خافضٍ، أسقطوا ألفَها؛ تفريقا بينَ الاستفهام [وغيرِه] (٣)، كما قال جلّ ثناؤُه: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [النبأ: ١﴾. و: ﴿قَالُوا فيمَ كُنتُمْ﴾ [النساء: ٩٧]. وربما أثبَتوا فيها الألفَ، كما قال الشاعر (٤):

علامَا قام يَشْتُمُنا (٥) لئيمٌ … كخِنزِيرٍ تَمَرَّغ في رمادِ (٦)

وقالت: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم﴾. وإنما أرسلت إلى سليمان وحده، على النحو الذي بينا في قوله: ﴿عَلَى خَوْفٍ مِن فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ﴾ (٧) [يونس: ٨٣].

وقوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتَمِدُّونَنِ بِمَالٍ﴾. إن قال قائلٌ: وكيف قيل: ﴿فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ﴾. فجعَل الخبر في مجيء سليمان عن واحد، وقد قال قبلَ ذلك: ﴿فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾؟ فإن كان الرسول كان واحدًا، فكيف قيل: ﴿بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾؟ وإن كانوا جماعةً، فكيف قيل: ﴿فَلَمَّا جَاءَ


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "علمت". والأثر أخرجه ابن أبي شيبة ١١/ ٥٣٩، وابن أبي حاتم في تفسيره ٩/ ٢٨٧٩ من طريق إسماعيل به بنحوه.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "واتباعه".
(٣) سقط من ص، ت ١، ت ٢، ف.
(٤) هو حسان بن ثابت، والبيت في ديوانه ص ٣٢٤، وفيه: ففيم يقول. بدلا من: علاما قام. قال البغدادي في الخزانة ٦/ ١٠٢: وعليه لا شاهد فيه. ورواية المصنف هي رواية الفراء في معاني القرآن ٢/ ٢٩٢ عن المفضل.
(٥) في م: "يشتمني".
(٦) في م: "تراب".
(٧) ينظر ما تقدم في ١٢/ ٢٤٦ - ٢٥٠.