للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتقعُدُ منها مقاعدَ للسمعِ، فيستمِعون مِن كلامِ الملائكةِ فيما يكونُ في الأرضِ مِن موتٍ أو غيثٍ (١) أو أمرٍ، فيأتون الكهنةَ فيُخبِرونهم، فتحدِّثُ الكهنةُ الناسَ فيجِدونه كما قالوا، حتى إذا أمِنَتْهم الكهنةُ كذَبوا لهم، فأدخَلوا فيه غيرَه، فزادُوا مع كلِّ كلمةٍ سبعينَ كلمةً، فاكتتَب الناسُ ذلك الحديثَ في الكتبِ، وفَشا في بنى إسرائيلَ أن الجنَّ تعلَمُ الغيبَ، فبعَث سليمانُ في الناسِ فجمَع تلك الكتبَ، فجعَلها في صندوقٍ، ثم دفَنها تحتَ كرسيِّه، ولم يكنْ أحدٌ مِن الشياطينِ يستطيعُ أن يدنُوَ مِن الكرسىِّ إلا احتَرق، وقال: لا أسمَعُ أحدًا يذكُرُ أن الشياطينَ تعلَمُ الغيبَ إلا ضرَبتُ عنقَه. فلما مات سليمانُ وذهَبتِ العلماءُ الذين كانوا يعرِفون أمرَ سليمانَ، وخلَف بعد ذلك خَلْفٌ، تمثَّل شيطانٌ (٢) في صورةِ إنسانٍ، ثم أتَى نفرًا مِن بنى إسرائيلَ فقال لهم (٣): هل أدلُّكم على كنزٍ لا تأكُلونه (٤) أبدًا؟ قالوا: نعم. قال: فاحفِروا تحتَ الكرسىِّ، وذهَب معهم فأَراهم المكانَ، وقام ناحيةً، فقالوا له: فادْنُ. قال: لا، ولكنِّى هاهنا في أيديكم، فإن لم تجِدوه فاقتُلونى. فحفَروا فوجَدوا تلك الكتبَ، فلمَّا أخرَجوها قال الشيطانُ: إن سليمانَ إنما كان يضبُطُ الإنسَ والشياطينَ والطيرَ بهذا السحرِ. ثم طار فذهَب، وفَشا في الناسِ أن سليمانَ كان ساحرًا، واتَّخَذتْ بنو إسرائيلَ تلك الكتبَ، فلمَّا جاء محمدٌ خاصَموه بها، فذلك حينَ يقولُ اللهُ: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ (٥).


(١) في تفسير ابن أبى حاتم وابن كثير: "غيب".
(٢) فى م: "الشيطان".
(٣) سقط من: م، ت ٢، ت ٣.
(٤) أكل فلان عمرَه: إذا أفناه. تهذيب اللغة ١٠/ ٣٦٩. والمراد: لا يفنى.
(٥) أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره ١/ ١٨٦ (٩٨٧) من طريق عمرو بن حماد به إلى قوله: "إلا احترق"، وذكره ابن كثير بتمامه في تفسيره ١/ ١٩٤.