للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"قرنٌ عظيمٌ يُنْفَخُ فِيه ثلاثُ نَفَحَاتٍ؛ الأُولى، نَفْحَةُ الفَزَعِ، والثانيةُ، نفخةُ الصَّعْقِ، والثالثةُ، نَفْخةُ القيامِ للهِ ربِّ العالمين، يَأْمُرُ الله إسرافيلَ بالنفخةِ الأولى، فيقولُ: انْفُخُ نفخةَ الفَزَعِ. فيَنْفُخُ نفخةَ الفَزَعِ، فيَفْزَعُ أهلُ السماواتِ وأهلُ الأَرضِ، إلا مَن شاء اللهُ، ويَأْمُرُه اللهُ فيَمُدُّ بها ويُطَوَّلُها، فلا يَفْتُرُ، وهى التي يقولُ اللهُ: ﴿وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ [ص: ١٥]. فيُسَيرُ اللهُ الجبالَ، فتكونُ سرَابًا، وتُرَجُّ الأرضُ بأهلِها رَجًّا، وهى التي يقولُ اللهُ: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾ [النازعات: ٦ - ٨]. فتكونُ الأرضُ كالسفينةِ المُوثقَةِ في البحرِ، تَضْرِبُها الأمواجُ، تَكَفَّأُ بأهلِها، أو كالقِنْديلِ المُعَلَّقِ بالوَتَرِ، تَرَجَّحُه الأرْياحُ، فتَمِيدُ الناسُ على ظهرِها، فتَذْهَلُ المَراضِعُ، وتَضَعُ الحَواملُ، وتَشِيبُ الوِلْدانُ، وتَطيرُ الشياطينُ هاربةً، حتى تَأْتىَ الأقْطارَ، فتَتَلَقَّاها الملائكةُ، فتَضْرِبُ، وجوهَها، فتَرْجِعُ، ويُوَلِّي الناسُ مُدْبِرين، يُنادِى بعضُهم بعضًا، وهو الذي يقولُ اللهُ: ﴿يَوْمَ التَّنَادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [غافر: ٣٢، ٣٣]. فبينَما هم على ذلك إذ تصَدَّعَتِ الأرضُ مِن قُطْرِ إلى قُطْرٍ، فرَأَوْا أمرًا عظيمًا، فأخَذَهم لذلك مِن الكربِ ما اللهُ أعلمُ به، ثم نظَروا إلى السماء، فإذا هي كالمُهْلِ، ثم خُسِف شمسُها وقمرُها، وانْتَثَرَتْ نُجُومُها، ثم كُشِطَت عنهم". قال رسولُ اللهِ : "والأمواتُ لا يَعْلَمون بشيءٍ مِن ذلك". فقال أبو هريرةَ: يا رسولَ اللهِ، فمَن اسْتَثْنَى اللهُ حينَ يقولُ: ﴿فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾؟ قال: "أولئك الشهداءُ، وإنما يَصِلُ الفَزَعُ إلى الأحياءِ، أولئك أحياءٌ عندَ ربِّهم يُرْزَقون، وقاهم اللهُ فَزَعَ ذلك اليومِ وآمَنهم، وهو عذابُ اللهِ يَبْعَثُه على شِرارِ خلقِه" (١).


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٩/ ٢٩٢٨ - ٢٩٣١ من طريق إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب، عن أبي هريرة به، وينظر تخريجه فيما تقدم في ٣/ ٦١٣.