للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الكلامِ لا شكَّ خُلْفٌ؛ لأن ما لم يكن للخَلْقِ مِن ذلك قَدِيمًا، فليس ذلك لهم أبدًا. وبعدُ، لو أُريد ذلك المعنى، لكان الكلامُ: فليس. وقيل: وربُّك يخلُقُ ما يشاءُ ويَختارُ، ليس لهم الخيرةُ. ليكونَ نَفْيًا عن أن يكون ذلك لهم فيما قبلُ وفيما بعدُ.

والثاني: أن كتابَ اللهِ أَبْيَنُ البيانِ، وأصَحُّ (١) الكلامِ، ومُحالٌ أن يُوجَدَ فيه شيءٌ غيرُ مفهومِ المعنَى، وغيرُ جائزٍ فى الكلامِ أن يُقالَ ابتداءً: ما كان لِفُلانٍ الخِيَرةُ. ولمَّا يَتَقَدَّمْ قبل ذلك كلامٌ يَقْتَضِى ذلك. فكذلك قولُه: ﴿وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ ولم يتقدَّمْ قبلَه مِن اللهِ تعالى ذكره خبرٌ عن أحدٍ أنه ادَّعَى أنه كان له الخيرةُ، فيُقالُ له: ما كان لك الخيرةُ. وإنما جرَى قبلَه الخبرُ عمَّا هو صائِرٌ إليه أمرُ مَن تاب من شِركِه، وآمَن وعمِل صالحًا، وأتْبَع ذلك جلَّ ثناؤُه الخبرَ عن سببِ إيمانِ مَنْ آمَنْ وعمِل صالحًا منهم، وأن ذلك إنما هو لاختيارِه إياه للإيمانِ، وللسابِقِ (٢) مِن علمِه فيه اهْتَدَى. ويَزِيدُ ما قلْنا ذلك إبانةً، قولُه: ﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾. فَأَخْبَرَ أَنه يَعْلَمُ مِن عِبادِهِ السَّرائِرَ والظواهِرَ، ويَصْطَفى لنفسه، ويَختارُ لطاعتِه مَنْ قد علم منه السَّرِيرَةَ الصالحةَ، والعَلانِيَةَ الرَّضِيَّةَ.

والثالثُ: أن معنى الخِيَرَةِ في هذا الموضعِ، إنما هو الخيرةُ، وهو الشيء الذى يُخْتارُ من البهائم والأنعام، والرجال والنساءِ. يُقالُ منه: أُعْطِيَ الخِيَرَةَ والخِيرَةَ. مِثْلُ الطِّيَرَةِ والطِّيْرَةِ [والطَّيْرةُ] (٣)، وليس بالاختيار. وإذا كانت الخيرَةُ ما وَصَفْنا،


(١) في م: "أوضح".
(٢) فى ص، ت ١، ت ٢: "السابق".
(٣) سقط من: م. والذى فى المعاجم "الطِّيَرَة والطِّيرة". وفيها أيضًا "الطَّيْر"وهو الاسم من "التطير". فالله أعلم. ينظر اللسان والتاج (ط ى ر).