للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنه إن وُجِّهَ إلى قولِ مَن تأوَّله بمعنى: وَيْلَك أعلمُ أن اللهَ. وجَب أَن يَفْصِلَ "وَيْكَ" مِن "أنَّ"، وذلك خلافُ خطِّ جميعِ المصاحفِ، مع فسادِه في العربيةِ، لما ذكَرنا. وإن وُجِّهَ إلى قولِ مَن يقولُ: "وَىْ" بمعنى التَّنْبيهِ، ثم استأنَف الكلامَ بـ "كأَنَّ"، وجَب أن يُفْصَلَ "وَىْ" من "كأنَّ"، وذلك أيضًا خلافُ خطوطِ المصاحفِ كلِّها.

فإذ كان ذلك حرفًا واحدًا، فالصوابُ مِن التأويلِ ما قالَه قتادةُ، وإذ كان ذلك هو الصوابَ، فتأويلُ الكلامِ: وأصبَح الذين تَمَنَّوا مكانَ قارونَ وموضعَه مِن الدنيا بالأمسِ، يقولون لمَّا عايَنوا ما أحَلَّ اللهُ به من نِقْمَتِهِ: أَلم تَرَ يا هذا أن اللهَ يبسطُ الرزقَ لمَن يشاءُ مِن عبادِه، فيُوَسِّعَ عليه، لا لفضلِ منزلتِه عندَه، ولا لكرامتِه عليه، كما كان بسَط من ذلك لقارونَ، لا لفضلِه ولا لكرامتِه عليه، ﴿وَيَقْدِرُ﴾. يقولُ: ويُضَيِّقُ على مَن يشاءُ من خلقِه ذلك ويُقَتِّرُ عليه، لا لهوانه عليه (١) ولا لسُخْطِه عملَه.

وقولُه: ﴿لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا﴾. يقولُ: لولا (٢) أن تفضَّلَ اللهُ علينا، فصرَف عَنَّا ما كنَّا نَتَمَنَّاه بالأمسِ ﴿لَخَسَفَ بِنَا﴾.

واختلَفتِ القرأةُ فى قراءةِ ذلك؛ فقرأَته عامةُ قرأةِ الأمصارِ سِوى شيبةَ: (لخُسِفَ بِنَا). بضَمِّ الخاءِ وكسرِ السينِ (٣)، وذُكِر عن شيبةَ والحسنِ: ﴿لَخَسَفَ بِنَا﴾. بفتحِ الخاءِ والسينِ (٤)، بمعنى: لخسَف اللهُ بنا.

وقولُه: ﴿وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾. يقولُ: ألم يعلمْ أنه لا يُفلِحُ الكافرون، فتُنْجِحَ طَلِباتُهم.


(١) سقط من: م.
(٢) سقط من: ص، ت ١، ت ٢.
(٣) وهى قراءة نافع وابن كثير وأبى بكر وابن عامر وأبي عمرو وحمزة والكسائي وأبي جعفر وخلف. ينظر النشر ٢/ ٢٥٦.
(٤) معانى القرآن للفراء ٢/ ٣١٣، وبها قرأ حفص ويعقوب. النشر ٢/ ٢٥٦.