للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ارتفَع السحرُ والعلمُ به والعملُ من بنى آدمَ؛ لأَنه إذا كان علمُ ذلك مِن قِبَلِهما يُؤخذُ، ومنهما يُتعلَّمُ، فالواجبُ أن يكونَ بهلاكِهما وعدمِ وجودِهما عدمُ السبيلِ إلى الوصولِ إلى المعنى الذي كان لا يوصَلُ إليه إلا بهما. وفي وجودِ السحرِ في كلِّ زمانٍ ووقتٍ، أبيَنُ الدَّلالةِ على فسادِ هذا القولِ. أو (١) يزعُمُ قائلُو (٢) ذلك أنهما رجلان مِن بنى آدمَ لم يُعْدَما مِن الأرضِ منذُ خُلِقت الأرضُ (٣)، ولا يُعدَمان (٤) ما وجِد السحرُ في الناسِ، فيدَّعى ما لا يَخفى بُطُولُه.

فإذ (٥) فسَدتْ هذه الوجوهُ التى دلَّلنا على فسادِها، فبيِّنٌ أن معنى "ما" التى في قولِه: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾. بمعنى "الذي" وأن هاروتَ وماروتَ مُترجَمٌ بهما عن "الملَكَين"، ولذلك فُتِحت أواخرُ أسمائِهما؛ لأنهما في موضعِ خَفضٍ بالرَّدِّ (٦) على "الملَكَين"، ولكنهما لمّا كانا لا يُجْريان (٧) فُتِحت أواخرُ أسمائِهما.

فإن التَبَس على ذى غباءٍ ما قلنا، فقال: وكيف يجوزُ لملائكةِ اللهِ أن تعلِّمَ الناسَ التفريقَ بينَ المرءِ وزوجِه؟ أم كيف يجوزُ أن يُضافَ إلى اللهِ إنزالُ ذلك على الملائكةِ؟

قيل له: إن اللهَ جلّ ثناؤُه عرَّف عبادَه جميعَ ما أمَرهم به، وجميعَ ما نهاهم عنه، ثم أمَرهم ونهاهم بعدَ العلمِ منهم بما يؤمَرون به ويُنهَون عنه، ولو كان الأمرُ


(١) في م: "وقد".
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "قائل".
(٣) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٤) بعده في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "بعد".
(٥) في م، ت ١، ت ٢: "فإذا".
(٦) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "على الرد".
(٧) في م: "يجران". والإجراء هو الصرف. ينظر مصطلحات النحو الكوفى ص ٩٨ - ١٠١.