للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنكَر قائلو هذه المقالةِ أن يكونَ الساحرُ يَقدِرُ بسحْرِه على قلبِ شيءٍ عن حقيقتِه، أو (١) استسخارِ (٢) شيءٍ مِن خلقِ الله إلا نظيرَ الذى يقدِرُ عليه مِن ذلك سائرُ بنى آدمَ، أو إنشاءِ شيءٍ مِن الأجسامِ سوى المخاريقِ والخُدَعِ المتخيَّلةِ لأبصارِ الناظرين، بخلافِ حقائقِها التى وصَفنا. وقالوا: لو كان في وُسعِ السحرةِ إنشاءُ الأجسامِ، وقلبُ حقائقِ الأعيانِ عما هى به مِن الهيئاتِ، لم يكنْ بينَ الباطلِ والحقِّ فصلٌ (٣)، ولجاز أن تكونَ جميعُ المحَسّاتِ (٤) مما سحَرته السحرةُ فقلَبت أعيانَها. قالوا: وفى وصفِ الله جلَّ وعزَّ سحرَ (٥) سحَرةِ فرعونَ بقولِه: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ [طه: ٦٦]. وفى خبرِ عائشةَ عن رسولِ الله أنه كان إذ (٦) سُحِر يخيَّلُ إليه أنه يفعَلُ الشئَ وهو لا يفعلُه -أوضحُ الدَّلالةِ على بُطُولِ دعْوَى المدَّعِين- أن الساحرَ يُنشئُ أعيانَ الأشياءِ بسحرِه، ويستسْخِرُ ما يتعذَّرُ استسخارُه على غيرِه مِن بنى آدمَ، كالمواتِ والجمادِ والحيوانِ- وصحةِ ما قلنا.

وقال آخرون: قد يقدِرُ الساحرُ بسحرِه أن يحوِّلَ الإنسانَ حمارًا، وأن يَسحَرَ


= وقال الحافظ في الفتح ١٠/ ٢٢٦، ٢٢٧: قال المازرى: أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث، وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها. . . وهذا كله مردود؛ لأن الدليل قد قام على صدق النبى فيما يبلغه عن الله تعالى، وعلى عصمته في التبليغ، والمعجزات شاهدات بتصديقه، فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل، وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التى لم يبعث لأجلها، ولا كانت الرسالة من أجلها، فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر، كالأمراض. . . وعقد القاضى عياض في هذا البحث فصلا جيدا في الشفا ٢/ ٨٦٥ وما بعدها.
(١) في م: "و".
(٢) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "استحسان".
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فضل".
(٤) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "المحسوسات".
(٥) سقط من: م.
(٦) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "إذا".