للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال قائلٌ: وكيف يفرِّقُ الساحرُ بينَ المرءِ وزوجِه؟

قيل: قد دلَّلنا فيما مضَى على أن معنى السحرِ تخييلُ الشئِ إلى المرءِ بخلافِ ما هو به في عَينِه وحقيقتِه، بما فيه الكفايةُ لمَن وفِّق لفهمِه (١). فإذ كان ذلك صحيحًا بالذى عليه استشهَدْنا، فتفريقُه بينَ المرْءِ وزوجِه، تخييلُه بسحرِه إلى كلِّ واحدٍ منهما شخصَ الآخرِ على خلافِ ما هو به في حقيقتِه مِن حسنٍ وجمالٍ، حتى يقبِّحَه عندَه، فينصرِفَ بوجهِه ويعرِضَ عنه، حتى يُحدِثَ الزوجُ لامرأتِه فِراقًا. فيكونُ الساحرُ مفرِّقًا بينَهما بإحداثِه السببَ الذى كان عنه (٢) فُرْقَةُ ما بينَهما. وقد دلَّلنا في غيرِ موضعٍ مِن كتابِنا هذا على أن العربَ تضيفُ الشئَ إلى مُسبِّبِه من أجلِ تَسْبِيبِه (٣)، وإن لم يكنْ باشرَ فعل ما حدَث عن السببِ، بما أغنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ (٤). فكذلك تفريقُ الساحرِ بسحْرِه بينَ الزوجَين (٥).

وبنحوِ الذى قلنا في ذلك قاله عددٌ مِن أهلِ التأويلِ.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ بنُ زُريعٍ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾: وتفريقُهما أن يؤَخَّذَ (٦)


(١) ينظر ما تقدم في ص ٣٥٠ وما بعدها.
(٢) في م: "منه".
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "تسببه".
(٤) ينظر ما تقدم في ١/ ١٩٨، ١٩٩.
(٥) في م: "المرء وزوجه".
(٦) التأخيذ: أن تحتال المرأة بحيل في منع زوجها عن جماع غيرها وذلك نوع من السحر. اللسان (أ خ ذ).