للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولِه: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ إلى آخرِ الآيةِ. يقولُ: تتجافَى لذكرِ اللهِ، كلما استيَقَظوا ذكَروا الله؛ إما في الصلاةِ، وإما في قيامٍ، [وإما] (١) في قُعُودٍ، أو على جُنُوبهم، فهم لا يَزالون يذكُرون الله (٢).

والصوابُ من القولُ في ذلك أن يقالَ: إن الله وصف هؤلاء القومَ بأن جُنُوبهم تَنْبُو عن مضاجعِهم، شُغُلًا منهم [بدُعاءِ ربِّهم، وعبادتِه] (٣) خوفًا وطمعًا، وذلك نُبُوُّ جُنُوبِهم عن المضاجعِ ليلًا؛ لأن المعروفَ مِن وَصْفِ الواصفِ رجلًا بأن جنبَه (٤) نَبَا عن مَضْجعِه، إنما هو وصفٌ منه له بأنه جَفا عن النومِ في وقتِ مَنامِ الناسِ المعروفِ، وذلك الليلُ دونَ النهار، وكذلك تَصِفُ العربُ الرجلَ إذا وصفَته بذلك، يدلُّ على ذلك قولُ عبدِ اللهِ بن رَوَاحةَ الأنصاريِّ (٥) في صفةِ نبيِّ اللهِ .

يَبِيتُ يُجافِي جَنْبَه عن فِراشِه … إذا اسْتَثْقَلَت بالمُشرِكين المَضَاجِعُ

فإذ كان ذلك كذلك، وكان اللهُ تعالى ذكرُه لم يَخْصُصْ في وصفِه هؤلاء القومَ بالذي وصَفهم به؛ مِن جَفاءِ جُنُوبِهم عن مَضاجعهم، مِن أحوالِ الليلِ وأوقاتِه، حالًا ووقتًا دونَ حالٍ ووقتٍ، كان واجبًا أن يكونَ ذلك على كلِّ آناء الليل وأوقاته.


(١) في م، ص: "أو".
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ١٧٦ إلى المصنف.
(٣) في ت ٢: "به، عادتهم وعبادتهم".
(٤) بعده في ت ٢: "وصف".
(٥) ديوان عبد الله بن رواحة (مجموع) ص ١٦٢.