للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معه. فقال له كعبُ بنُ أسدٍ: جئْتَنى واللهِ بذلِّ الدهرِ، وبجَهامٍ (١) قد هَرَاق ماءَه، يَرْعُدُ ويَبْرُقُ ليس فيه شيءٌ، فدَعْنى ومحمدًا وما أنا عليه، فلم أرَ من محمدٍ إلَّا صِدْقًا ووفاءً. فلم يَزَلْ حُيَيُّ بكعبٍ يَفْتِلُه (٢) في الذِّرْوَةِ والغارِبِ (٣)، حتى سمَح له (٤)، على أن أعطاه (٥) عهدًا من اللهِ وميثاقًا: لئن رجَعتْ قريشٌ وغَطَفانُ ولم يُصيبوا محمدًا، أن أدخُل معك في حصنِك، حتى يُصِيبنى ما أصابك. فنقَض كعبُ بنُ أسدٍ عهدَه، وبَرِئَ مما كان عليه فيما بينَه وبينَ رسولِ اللهِ ، فلما انتهى إلى رسولِ اللهِ الخبرُ وإلى المسلمينِ، بعَث رسولُ اللهِ سعدَ بنَ معاذِ النعمانِ بن امرِئِ القيسِ أحدَ بني عبدِ (٦) الأشهلِ، وهو يومَئذٍ سيدُ الأوسِ، وسعدَ بنَ عبادةَ بن [دُلَيْمِ أحدَ] (٧) بني ساعدةَ بن كعبِ بن الخزرجِ، وهو يومَئذٍ سيدُ الخزرجِ، ومعهما عبدُ اللهِ بنُ رَوَاحةَ أخو بَلْحَارِثِ بن الخزرجِ، وخَوَّاتُ بنُ جُبَيرٍ أخو بني عمرِو بن عوفٍ، فقال: "انطَلِقوا حتى تَنْظُروا: أحقُّ ما بلَغنا عن هؤلاء القومِ أم لا؟ فإن كان حقًّا فالْحَنوا لى لَحْنًا نعْرِفُه (٨)، [ولا تَفُتُّوا في أعضادِ الناسِ] (٩)، وإن كانوا على الوفاءِ فيما بينَنا وبينَهم،


(١) الجهام: السحاب الذي فرغ ماؤه، والمعنى: أي الذي تعرضه عليَّ لا خير فيه، كالجهام الذي لا ماء فيه النهاية ١/ ٣٢٣.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢: "يقبله".
(٣) الغارب: مقدم سِنام البعير، والذروة أعلاه. أما: يقتله في الذروة والغارب فأراد أنه لم يزل يخدعه كما يُخدع البعير إذا كان نافرًا فيُمسح باليد على ظهره حتى يستأنس فيجعل الخطام على رأسه. المصدر السابق.
(٤) سمح: سهل ولان. الوسيط (س م ح).
(٥) في م: "أعطاهم".
(٦) سقط من: م.
(٧) في م: "ديلم أخو".
(٨) في م: "أعرفه"، واللحن أن يخالف ظاهر الكلام معناه، ويقال: لحنت لفلان، إذا قلت له قولا يفهمه ويخفى على غيره، والمعنى: أشيروا إليَّ ولا تُفصِحوا، وعرِّضوا بما علمتم. شرح غريب السيرة ٣/ ٥، والنهاية ٤/ ٢٤١.
(٩) في ص، ت ١، ت ٢: "ولا تفتوا أعضاد الناس"، ويقال: فتَّ في عضده إذا ضعَّفه وأوهنه. شرح غريب السيرة ٣/ ٥.