للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صباحًا، وفى الرجالِ دَمامةٌ؛ وإن إبليسَ أتَى رجلًا مِن أهلِ السهلِ في صورةِ غلامٍ، فأجَّر نفسَه منه، وكان يخدُمُه، واتَّخَذ إبليسُ شيئًا مثلَ ذلك الذي يَزْمِرُ فيه الرَّعاءُ، فجاء فيه بصوتٍ لم يُسْمَعْ مثلُه، فبلَغ ذلك مَن حولَهم، [فانْتابوهم يسمَعون] (١) إليه، واتَّخَذوا عيدًا يجتمِعون إليه في السنةِ، فتتبرَّج الرجالُ للنساءِ، قال: [ويتزينُ النساءُ للرجالِ] (٢)، وإن رجلًا مِن أهلِ الجبلِ هجَم عليهم وهم في عيدِهم ذلك، فرأَى النساءَ، فأتَى أصحابَه، فأخبَرهم بذلك، فتحوَّلوا إليهنَّ، فنزَلوا معهن، فظهَرت الفاحشةُ فيهنَّ، فهو قولُ اللَّهِ: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ (٣).

وأَولى الأقوالِ في ذلك عندى بالصوابِ أن يقالَ: إن الله تعالى ذكرُه، نهَى نساءَ النبي أن يَتبرَّجْنَ تبرُّجَ الجاهليةِ الأولى.

وجائزٌ أن يكونَ ذلك ما بينَ آدمَ وعيسى، فيكونَ معنى ذلك: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾: التي قبلَ الإسلامِ.

فإن قال قائلٌ: أوَ في الإسلامِ جاهليةٌ حتى يقالَ عنَى بقوله: ﴿الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾. التي قبلَ الإسلامِ؟ قِيل: فيه أخلاقٌ مِن أخلاقِ الجاهليةِ.

كما حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾. قال: يقولُ: التي كانت قبلَ الإسلامِ، قال: وفى الإسلامِ جاهليةٌ؟ قال: قال النبيُّ لأبي الدرداءِ، وقال لرجلٍ وهو يُنازِعُه: يا ابنَ فلانةٍ، لأمٍّ كان يُعَيَّرُ بها في الجاهليةِ، فقال رسولُ اللهِ : "يا أبا


(١) في ت ١: "فأتوهم يستمعون".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢: "وتنزل الرجال لهن".
(٣) ذكره ابن كثير في تفسيره ٦/ ٤٠٦ عن المصنف، وأخرجه الحاكم ٢/ ٥٤٨ - وعنه البيهقي في الشعب (٥٤٥١) - من طريق موسى بن إسماعيل به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ١٩٧ إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، وقوى ابن حجر إسناده في الفتح ٨/ ٥٢٠.