للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدرداءِ إن فيك جاهليةً". قال: أجاهليةُ كفرٍ أو إسلامٍ؟ قال: "بل جاهليةُ كفرٍ". قال: فتمنَّيتُ أن لو كنتُ ابتدأتُ إسلامى يومَئذٍ. قال: وقال النبيُّ : "ثلاثٌ مِن عملِ أهلِ الجاهليَّةِ، لا يَدعُهنَّ النَّاسُ: الطعنُ بالأنسابِ، والاستمطارُ بالكواكبِ، والنِّياحةُ (١).

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، قال: أخبَرني سليمانُ بنُ بلالٍ، عن ثورٍ، عن عبدِ اللَّهِ بن عباسٍ، أن عمرَ بنَ الخطَّابِ قال له: أرأيتَ قولَ اللهِ لأزواجِ النبيِّ : ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾: هل كانت إلَّا واحدةً؟ فقال ابن عباسٍ: وهل كانت مِن أُولى إلَّا ولها آخرةً؟ فقال عمرُ: لله درُّك يا بنَ عباسٍ، كيف قلتَ؟ فقال: يا أميرَ المؤمنين، هل كانت مِن أُولى إلا ولها آخرةً؟ قال: فأتِ بتصديقِ ما تقولُ مِن كتابِ اللهِ. قال: نعم: (وَجاهِدُوا في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ كَما جاهَدْتُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ). قال عمر: فمَن أُمر بالجهادِ؟ قال: قبيلتان مِن قريشٍ؛ مخزومٌ وعبدُ شمسٍ. فقال عمرُ: صدقتَ (٢).

وجائزٌ أن يكونَ ذلك ما بينَ آدمَ ونوحٍ، وجائزٌ أن يكون ما بينَ إدريسَ ونوحٍ، فتكونَ الجاهليةُ الآخرةُ ما بينَ عيسى ومحمدٍ، وإذا كان ذلك مما يَحتمِلُه ظاهرُ التنزيلِ، فالصوابُ أن يقالَ في ذلك كما قال اللهُ: إنه نهى عن تبرُّجِ الجاهليةِ الأولى.

وقولُه: ﴿وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ﴾. يقولُ: وأقِمْن الصلاة


(١) أخرجه البخارى (٣٨٥٠) مِن حديث ابن عباس، ومسلم (٩٣٤) من حديث أبي مالك الأشعرى، وأحمد (٧٥٦٠، ٩٥٧٤) وابن حبان (٣١٤١) مِن حديث أبي هريرة.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ١٩٧ إلى المصنف وابن المنذر وابن مردويه، وأخرجه أبو عبيد في الفضائل ص ١٧٨، ١٧٩، وابن أبي حاتم في تفسيره - كما في الفتح ٨/ ٥٢٠ - من طريق عكرمة عن ابن عباس به، وينظر في قراءة عمر الدر المنثور ٤/ ٣٧١.