للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾: كان رجلًا مِن اليهودِ، مِن قبيلةٍ مِن اليهودِ يقالُ لهم: بنو قَيْنُقَاعَ. كان يُدْعَى رفاعةَ بنَ زيدِ بنِ السائبِ -قال أبو جعفرٍ: هذا خطأٌ، إنما هو ابنُ التابوتِ، ليس ابنَ السائبِ- كان يأتى النبىَّ ، فإذا لقِيَه فكلَّمَه فقال: أرْعِنى سمْعَك، واسمَعْ غيرَ مُسْمَعٍ. فكان المسلمون يَحْسَبون أن الأنبياءَ كانت تُفَخَّمُ (١) بهذا، فكان ناسٌ منهم يقولون: اسمعْ غيرَ مُسْمَعٍ. كقولِك: اسمعْ غيرَ صاغرٍ. هى (٢) التى فى "النساءِ": ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ﴾ [النساء: ٤٦]. يقولُ: إنما يُرِيدُ بقولِه طَعْنًا فِى الدّينِ. ثم تقدَّم إلى المؤمنين فقال: ﴿لَا تَقُولُوا رَاعِنَا﴾ (٣).

والصوابُ مِن القولِ في نهْىِ اللهِ جلَّ ثناؤه المؤمنين أن يقولوا لنبيِّه: ﴿رَاعِنَا﴾ أن يقالَ: إنها كلمةٌ كرِهها اللهُ لهم أن يقولوها لنبيِّه ، نظيرَ الذى ذُكِر عن النبيِّ أنه قال: "لا تَقُولُوا للعِنَبِ الكَرْمَ، ولكِن قولوا الحَبَلَةَ" (٤). و"لا تَقُولُوا عَبْدِى، ولكِنْ قُولُوا فتَاىَ" (٥).

وما أشبهَ ذلك مِن الكلمتينِ اللَّتينِ تكونان مستعمَلتين بمعنًى واحدٍ فى كلامِ العربِ، فتأتى الكراهةُ أو النهىُ باستعمالِ إحداهما، واختيارِ الأُخْرَى عليها فى المخاطَباتِ.


(١) فى الأصل، ت ٢، ت ٣: "تعجم".
(٢) فى م: "وهى".
(٣) عزاه السيوطى فى الدر المنثور ١/ ١٠٤ إلى المصنف وابن المنذر، وينظر تفسير ابن كثير ١/ ٢١٤.
(٤) أخرجه الدارمى ٢/ ١١٨، ومسلم (٢٢٤٨) من حديث وائل بن حجر، وأخرجه البخارى (٦١٨٢)، ومسلم (٢٢٤٧)، وغيرهما من حديث أبى هريرة، دون قوله: "ولكن قولوا الحبلة".
(٥) أخرجه البخارى (٢٥٥٢)، ومسلم (٢٢٤٩) من حديث أبى هريرة نحوه.