للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللهُ. بمعنى: حفِظك اللهُ وكَلأك. ومحتمِلًا أن يكونَ بمعنى: أرْعِنا سمْعَك. مِن قولِهم: أرْعَيتُ به (١) سمعِى إرعاءً. أو: راعَيْتُه سمعِى رِعاءً أو مُراعاةً. بمعنى: فرَّغْتُه لسماعِ كلامِه. كما قال الأَعْشى ميمونُ بنُ قيسٍ (٢):

يُرْعِى إلى قَوْلِ ساداتِ الرِّجالِ إذَا … أبْدَوْا لهُ الحَزْمَ أو ما شاءَه ابْتَدَعا

يعنى بقولِه يُرْعِى: يُصْغِى سمعَه إليه مُفَرِّغَه لذلك.

وكأنَّ اللهَ جل ثناؤه قد أمَر المؤمنين بتوقيرِ نبيِّه وتعظيمِه، حتى نهاهم جلّ ذكرُه فيما نهاهم عنه، عن رفعِ أصواتِهم فوقَ صوتِه، وأن يَجْهَرُوا له بالقوْلِ كجَهْرِ بعضِهم لبعضٍ، وخوَّفَهم على ذلك حبوطَ أعمالِهم، تقدَّم (٣) إليهم بالزجرِ لهم عن أن يقولُوا له من القولِ ما فيه جَفاءٌ، وأمَرَهم أن يَتَخَيَّرُوا لخطابِه من الألفاظِ أحسنَها، ومن المعاني أَرَقَّها، فكان من ذلك قولُهم: ﴿رَاعِنَا﴾. لِمَا فيه (٤) احتمالُ معنى: ارْعَنا نَرْعَك. إذ كانت المفاعلةُ لا تكونُ إلا مِن اثنين، كما يقولُ القائلُ: عاطِنا وحادِثْنا وجالِسْنا. بمعنى: افعَلْ بنا نَفْعَلْ بك. ومعنى: أَرْعِنا سمعَك حتى نَفهمَك وتَفهمَ عنا. فنَهَى اللهُ تعالى ذكرُه أصحابَ محمدٍ أن يقولوا ذلك كذلك، وأمرَهم (٥) أن يُفْرِدُوا مسألَتَه بانتظارِهم وإمهالِهم؛ ليَعْقِلوا عنه، بتَبْجِيلٍ منهم له وتعظيمٍ، وألَّا يَسألُوه ما سأَلوه من ذلك على وجهِ الجَفاءِ والتَّجَهُّمِ منهم له، ولا بالفظاظةِ والغِلْظةِ، تَشْبيهًا منهم باليهودِ في خطابِهم نبيَّ اللهِ بقولِهم له: ﴿وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا﴾ [النساء: ٤٦]. يَدُلُّ على صحةِ ما قُلْنا في ذلك قولُه: