للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيطانٌ يَنظُرُ إلى سليمانَ في المحرابِ إلا احترَق، فمرَّ ولم يَسْمَع صوتَ سليمانَ ، ثم رجَع فلم يَسْمَعْ، ثم رجَع فوقَع في البيتِ فلم يَحْتَرِق، ونظَر إلى سليمانَ قد سقَط مَيِّتًا، فخرَج فأخبَر الناسَ أن سليمانَ قد مات، ففتَحوا (١) عنه، فأخرَجوه، ووجَدوا مِنْسَأتَه، وهى العصا بلسانِ الحبشةِ، قد أكَلتها الأرَضَةُ، ولم يَعْلَموا منذُ كم مات، فوضَعوا الأرَضَةَ على العصا، فأكَلت منها يومًا وليلةً، ثم حسَبوا على ذلك النحو، فوجَدوه قد مات منذ سنةٍ. وهى في قراءةِ ابن مسعودٍ: (فمكَثوا يَدْأبون (٢) له من بعدِ موتِه حولًا كاملًا) (٣). فأيْقَن الناسُ عندَ ذلك أن الجنَّ كانوا يَكْذِبونهم، ولو أنهم علِموا الغيبَ لعلِموا بموتِ سليمانَ، ولم يَلْبَثوا في العذابِ سنةً يَعْمَلون له، وذلك قولُ اللهِ ﷿: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾. يقولُ: تَبَيَّنُ أمرُهم للناسِ أنهم كانوا يَكْذبونهم. ثم إن الشياطينَ قالوا للأرضَةِ: لو كنتِ تَأْكُلين الطعامَ أتَيْناكِ بأطيبِ الطعامِ، ولو كنتِ تَشْرَبين الشرابَ سَقَيْناكِ أطيبَ الشرابِ، ولكنَّا سَنَنْقُلُ إليكِ الماءَ والطِّينَ، قال: فهم ينقُلون ذلك حيثُ كانت. قال: ألم تَرَ إلى الطين الذي يكونُ في جوفِ الخشبِ فهو ما يأْتيها به الشياطينُ شكرًا لها (٤).

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: كانت الجنُّ تُخْبِرُ الإنسَ أنهم كانوا يَعْلَمون من الغيبِ أشياءَ، وأنهم يَعْلَمون ما في غدٍ، فابتُلوا بموتِ


(١) في الأصل: "فتنحوا".
(٢) في تاريخ المصنف: "يدينون".
(٣) وهي قراءة شاذة.
(٤) أخرجه المصنف في تاريخه،٥٠٢/ ١، ٥٠٣، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية ٢/ ٣٥٣، ٣٥٤، وعزاه
السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٢٢٩ إلى ابن أبي حاتم.