للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قولُه: ﴿جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾. فإنه يعنى: بستانان كانا بينَ جبلين، عن يمينِ مَن أتاهما وشمالِه.

وكان من صفتِهما فيما ذُكِر لنا ما حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا سليمانُ، قال: ثنا أبو هلالٍ، قال: سمِعتُ قتادةَ في قولِه: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾. قال: كانت جنتان بينَ جبلين، فكانت المرأةُ تَخْرُجُ، بمِكْتَلِها على رأسِها، فتَمْشى بينَ جبلين (١)، فيَمْتَلِئُ مِكْتَلُها، وما مسَّت بيدِها، فلما طَغَوا بعَث اللهُ عليهم دابةً، يُقالُ لها: جُرَذٌ (٢). فنقَّبت عليهم، فغرَّقتهم، فما بقى لهم إلا أثلٌ وشيءٌ من سِدْرٍ قليلٍ (٣).

حدَّثنا يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾ إلى قوله: ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾. قال: ولم يَكُنْ يُرَى في قريتِهم بَعوضةٌ قطُّ ولا ذُبابٌ ولا بُرْغوثٌ ولا عقربٌ ولا حيةٌ، وإن كان الركبُ ليَأْتون وفى ثيابِهم القَمْلُ والدوابُّ، فما هم إلَّا أن يَنْظروا إلى بيوتِهم، فتَمُوتَ الدوابُّ. قال: وإن كان الإنسانُ ليَدْخُلُ الجنتَين، فيُمْسِكُ القُفَّةَ على رأسِه، فيَخْرُجُ حينَ يَخْرُجُ وقد امتلأت تلك القُفَّةُ (٤) من أنواعِ الفاكهةِ، ولم يتَنَاولْ منها شيئًا بيدِه. قال: والسَّدُّ يَسْقيها (٥).

ورُفعِت الجنتان في قولِه: ﴿جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾. ترجمةً عن الآيةِ؛ لأن معنى الكلامِ: لقد كان لسبأ في مسكنِهم آيةٌ، هي جنتان عن أيمانِهم وشمائلِهم.


(١) في الأصل: "جنتين".
(٢) في الأصل، ت ٢: "جرد".
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٢٣١ إلى عبد بن حميد.
(٤) في م، ت ١: "مقفة".
(٥) ذكره البغوي في تفسيره ٦/ ٣٩٣، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٢٣١ إلى ابن أبي حاتم.