للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالنقلِ المستفيضِ. وكذلك قراءةُ مَن قَرَأ: (تَنْسَها) أو (تُنْسَها). لشذوذِها وخروجِها عن القراءةِ التى جاءتْ بها الحجةُ مِن قرأَةِ الأمةِ.

وأولى القراءاتِ في قولِه: ﴿أَوْ نُنْسِهَا﴾. بالصوابِ، قراءةُ مَن قرأ: ﴿أَوْ نُنْسِهَا﴾. بمعنى: نَترُكْها؛ لأن اللهَ جلَّ ثناؤُه أخبرَ نبيَّه أنه مهما بدَّل حُكمًا أو غيَّرَه، أو لم يبدِّلْه ولم يغيِّرْه، فهو آتِيه بخيرٍ منه أو بمثلِه. فالذى هو أوْلَى بالآيةِ إذ كان ذلك معناها، أن يكونَ إذ قدَّم الخبرَ عما هو صانعٌ (١) إذا هو غيَّر وبدّل حكمَ آيةٍ - أن يُعقِّبَ ذلك بالخبَرِ عما هو صانِعٌ إذا هو لم يُبدِّلْ ذلك ولم يُغيِّرْ. والخبرُ الذى يجِبُ أن يكونَ عَقيبَ قولِه: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ﴾. قولُه: أو نَترُكْ نَسْخَها. إذ كان ذلك المعروفَ الجارِىَ في كلامِ الناسِ، مع أن ذلك إذا قُرِئَ كذلك بالمعنى الذى وَصَفتُ، فهو يَشتَمِلُ على معنَى الإنْساءِ الذى هو بمعنى التَّرْكِ، ومعنى النَّسْءِ (٢) الذى هو بمعنَى [التَّرْكِ. ومعنى النَّسْءِ الذى هو بمعنَى] (٣) التأخيرِ، إذ كان كلُّ متروكٍ فمؤخَّرٌ فى (٤) حالِ ما هو متروكٌ.

وقد أنكَر قومٌ قراءةَ مَن قرأ: (أوْ تَنْسها). إذا عنَى به النسيانَ. وقالوا: غيرُ جائزٍ أن يكونَ رسولُ اللهِ نَسِى مِن القرآنِ شيئًا مما نُسِخَ (٥)، إلا أن يكونَ نَسِى منه شيئًا ثم ذكَره. قالوا: وبعدُ، فإنه لو نَسِى منه شيئًا لم يكنِ الذين قَرءُوه وحَفِظوه مِن أصحابِه بجائزٍ على جميعِهم أن يَنْسَوه. قالوا: وفى قولِ اللهِ جلّ ثناؤُه: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الإسراء: ٨٦]. ما يُنْبِئُ عن أن اللهَ تعالى ذِكْرُه


(١) في الأصل: "سايع".
(٢) في م: "النساء".
(٣) سقط من ت م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٤) في م: "على".
(٥) في م: "لم ينسخ".