للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكنَى عن وصفِهم ومدحِهم بذكرِ النَّبِيِّ ، وعن بنى أُمَيَّةَ بالقائلين المُعَنِّفينَ؛ لأنه معلومٌ أنه لا أحدَ يُوصَفُ [من المسلمين] (١) بتعنيفِ مادحِ النَّبِيِّ وتفضيلِه، ولا بإكثارِ الضِّجاجِ واللَّجَبِ في إطنابِ القِيلِ بفضلِه. وكما قال جَمِيلُ (٢) بنُ مَعْمَرٍ (٣):

ألا إنَّ جِيرَانى العَشِيَّةَ رَائِحُ … دَعَتْهُم دَواعٍ مِن هَوًى ومَنادِحُ (٤)

فقال: ألا إن جيرانى العشيةَ. فابْتَدَأ الخبرَ عن جماعةِ جيرانِه، ثم قال: رائحُ؛ لأن قصْدَه في ابتدائِه ما ابْتَدَأ (٥) مِن كلامِه الخبرُ عن واحدٍ منهم دونَ جماعتِهم. وكما قال جَمِيلٌ أيضًا في كلمتِه الأُخرَى (٦):

خَلِيليَّ فيما عِشْتُما هل رَأيْتُما … قَتِيلًا بَكَى من حُبِّ قاتِلِه قَبْلِى

وهو يُريدُ قاتلتَه (٧)؛ لأنه إنما يَصِفُ امرأةً، فكنَى بوصفِ (٨) الرجلِ عنها وهو يَعْنِيها. فكذلك قولُه: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ وإن كان ظاهرُ الكلامِ على وجهِ الخطابِ للنبيِّ ، فإنه مقصودٌ به قصدُ أصحابِه، وذلك بيِّنٌ بدلالةِ قولِه: ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (١٠٧) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ﴾ الآياتِ الثلاث بعدَها، على أنَّ ذلك كذلك.


(١) سقط من: م.
(٢) في الأصل: "جرير".
(٣) التبيان ١/ ٤٠١.
(٤) المنادح: المفاوز، وأرض مندوحة: واسعة بعيدة. التاج (ن د ح).
(٥) بعده في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "به".
(٦) البيت في أمالى القالى ٢/ ٧٤، والأغانى ١/ ١١٧.
(٧) في الأصل: "قاتله"، وفى ت ١، ت ٢، ت ٣: "قاتليه".
(٨) في م: "باسم".