للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا قولُه: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾. ولم يقُلْ: مِلكُ السماواتِ. فإنه عنَى بذلك مُلْكَ السلطانِ والمملكةِ دونَ المِلْكِ، والعربُ إذا أرادت الخبرَ عن المملكةِ التى هى مملكةُ سلطانٍ، قالت: ملَك اللهُ الخلقَ مُلْكًا. وإذا أرادت الخبرَ عن المِلْكِ قالت: ملَك فلانٌ هذا الشئَ، فهو يَمْلِكُه مِلْكًا ومَلَكَةً ومَلْكًا.

فتأويلُ الآيةِ إذن: ألم تعلَمْ يا محمدُ أن لى مُلكَ السماواتِ والأرضِ وسلطانَهما دونَ غيرِي، أحْكُمُ فيهما وفيما فيهما ما أشاءُ (١)، وآمُرُ فيهما وفيما فيهما بما أشاءُ، وأنْهَى عمَّا أشاءُ، وأَنْسَخُ وأُبَدِّلُ وأغيِّرُ مِن أحكامى التى أحْكُمُ بها في عبادى ما أشاءُ إذا أشاءُ، وأُقِرُّ منها ما أشاءُ.

وهذا الخبرُ وإن كان مِن اللهِ ﷿ خطابًا لنبيه محمدٍ على وجهِ الخبرِ عن عَظَمتِه، فإنه منه جل ثناؤه تكذيبٌ لليهودِ الذين أنْكَروا نسْخَ أحكامِ التوراةِ، وجحَدوا نبوَّةَ عيسى ومحمدٍ (٢) صلى الله عليهما، لمجيئِهما بما جاءا به مِن عندِ اللهِ بتغييرِ ما غيَّرَ اللهُ مِن أحكامِ (٣) التوراةِ، فأخبَرهم اللهُ أن له مُلْكَ السماواتِ والأرضِ وسلطانَهما، [وأنَّ] (٤) الخلقَ أهلُ مَمْلَكتِه وطاعتِه، عليهم السمعُ له والطاعةُ لأمرِه ونهيهِ، وأن له أمْرَهم بما شاءَ، ونهيَهم عمَّا شاءَ، وإقرارَ ما شاءَ، ونسْخَ ما شاءَ، وإنساءَ ما شاءَ مِن أحكامِه وأمْرِه ونهيهِ، ثم قال لنبيِّه وللمؤمنين معه: انقادُوا لأمرِي، وانْتَهُوا إلى طاعتِى فيما أَنْسَخُ وفيما أتْرُكُ (٥)، فلا


(١) بعده في ت ٣: "إذا أشاء".
(٢) في م: "أنكروا محمدًا".
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "حكم".
(٤) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فإن".
(٥) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "أنزل".