للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: وليس قولُه: ﴿أَمْ تُرِيدُون﴾ على الشكِّ، ولكنه قاله ليُقَبِّحَ له صنيعَهم. واسْتَشْهَد لقولِه ذلك ببيتِ الأَخْطَلِ (١):

كَذَبَتْكَ عَيْنُك أم رَأَيْتَ بوَاسِطٍ … غَلَسَ الظَّلامِ مِن الرَّبَابِ خَيَالَا

وقال بعضُ نحويِّى الكوفيِّين (٢): إن شِئتَ جعَلتَ قولَه: ﴿أَمْ تُرِيدُون﴾ استفهامًا مُبتدأً (٣) على كلامٍ قد سبَقه، كما قال جل ثناؤه: ﴿الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [السجدة: ١ - ٣]. فجاءت "أمْ" وليس قبلَها استفهامٌ. فكان ذلك عندَه دليلًا على أنها استفهامٌ مبتدَأٌ على كلامٍ قد سبَقه.

وقال قائلُ هذه المقالةِ: "أم" فى المعنى تكونُ ردًّا (٤) على الاستفهامِ على جهتين: إحداهما، أن تُفَرِّقَ (٥) معنى "أىّ"، والأُخْرَى، أن يُسْتَفْهَمَ بها، ويكونَ على جهةِ (٦) النَّسَقِ، والذى يُنْوَى به الابتداءُ، إلَّا أنه ابتداءٌ مُتَّصلٌ بكلامٍ، فلو ابتدأتَ كلامًا ليس قبلَه كلامٌ ثم استَفْهمتَ، لم يكنْ إلَّا بالألفِ أو بـ "هل".

قال: وإن شِئتَ قلتَ فى قولِه: ﴿أَمْ تُرِيدُونَ﴾: قبلَه استفهامٌ فرُدَّ عليه، وهو فى قولِه: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

والصوابُ مِن القولِ فى ذلك عندى -على ما جاءتْ به الآثارُ التى ذكَرْناها عن أهلِ التأويلِ- أنه استفهامٌ مُبْتدَأٌ بمعنى: أَتُرِيدون أيُّها القومُ أن تَسْأَلوا رسولَكم؟ وإنما جاز أن يَسْتَفْهِمَ القومَ بـ "أم" -وإن كانت "أم" أحدُ شروطِها أن تكونَ نَسَقًا


(١) شرح ديوانه ص ٣٨٥.
(٢) هو الفراء فى معانى القرآن ١/ ٧١.
(٣) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٤) في الأصل: "تدل".
(٥) في م: "تعرف".
(٦) في الأصل: "وجه".