للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بُنيانًا يُشبهُ التَّنُّورَ، ثم نقَلوا إليه الحطبَ، وأوْقَدوا عليه، ﴿فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ﴾.

والجحيمُ عندَ العربِ جَمْرُ النارِ بعضُه على بعضٍ، والنارُ على النارِ.

وقولُه: ﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: فأراد قومُ إبراهيمَ بإبراهيمَ كيدًا، وذلك ما كانوا أرادوا مِن إحراقِه بالنارِ. يقولُ اللهُ: ﴿فَجَعَلْنَاهُمُ﴾. أى: فجعَلْنا قومَ إبراهيمَ ﴿الْأَسْفَلِينَ﴾ يعنى: الأَذَلِّين حُجَّةٌ، وغلَّبْنا إبراهيمَ عليهم بالحجةِ، وأنقَذْناه مما أرادوا به مِن الكيدِ.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ﴾. قال: فما ناظَرَهم بعد ذلك حتى أهْلَكَهم (١).

وقولُه: ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وقال إبراهيمُ لما أفْلَجَه اللهُ على قومِه، ونجَّاه من كيدِهم: ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي﴾. يقولُ: إلى مُهاجِرٌ مِن بلدةِ قومى إلى اللهِ. أى: إلى الأرضِ المقدَّسةِ، ومُفارِقُهم، فمُعْتَزِلُهم لعبادةِ اللهِ.

وكان قتادةُ يقولُ فى ذلك ما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾: ذاهبٌ بعملِه وقلبِه ونيتِه (٢).

وقال آخرون في ذلك: إنما قال إبراهيمُ: ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي﴾. حينَ أرادوا أن يُلقُوه في النارِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا أبو داودَ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي إسحاقَ،


(١) عزاه السيوطى فى الدر المنثور ٥/ ٢٧٩ إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) ينظر التبيان ٨/ ٤٧٢.