للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: سمِعْتُ سليمانَ بنَ صُرَدَ يقولُ: لما أرادوا أن يُلقُوا إبراهيمَ في النارِ، قال: ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾. فجُمِع الحطبُ، فجاءت عجوزٌ على ظهرِها حطبٌ، فقيل لها: أين تُرِيدين؟ قالت: أُرِيدُ أن أَذهَبَ إلى هذا الرجل الذي يُلقَى في النارِ، فلما أُلقِى فيها قال: حَسْبيَ اللهُ، عليه توكلتُ، أو قال: حسبيَ اللهُ ونعم الوكيلُ. قال: فقال اللهُ: ﴿قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء: ٦٩]. قال: فقال ابنُ لوطٍ، أو ابنُ أخى لوطٍ: إن النارَ لم تُحرِقْه مِن أجلى. وكان بينَهما قَرابةٌ، قال: فأرسَل الله عليه عُنُقًا مِن النارِ (١)، فأَحْرَقَتْه (٢).

وإنما اخْتَرْتُ القولَ الذى قلتُ في ذلك؛ لأن اللهَ ذكَر خبرَه وخبرَ قومِه في موضعٍ آخرَ، فأَخْبَر أنه لما نجَّاه مما حاوَل قومُه مِن إحراقِه، قال: ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ [العنكبوت: ٢٦]. ففسَّر أهلُ التأويلِ ذلك أن معناه: إنى مهاجرٌ إلى أرضِ الشامِ. فكذلك قولُه: ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾. لأنه كقولِه: ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾. وقوله: ﴿سَيَهْدِينِ﴾. يقولُ: سيُثَبِّتُنى على الهُدَى الذى أبْصَرْتُه، ويُعِينُني عليه.

وقوله: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾. وهذا مسألةُ إبراهيمَ رَبَّه أن يَرْزُقَه ولدًا صالحًا، يقولُ: قال: يا ربِّ، هَبْ لى منك ولدًا يكونُ مِن الصالحين، الذين يُطِيعونك ولا يَعْصُونك، ويُصْلِحون في الأرض ولا يُفْسِدون.

كما حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّل، قال: ثنا أسباطُ، عن السدىِّ فى قولِه: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾. قال: ولدًا صالحًا (٣).


(١) عنق من النار: أى طائفة منها. النهاية ٣/ ٣١٠.
(٢) ينظر تفسير القرطبي ١٥/ ٩٨، وفيه: "أبو لوط".
(٣) عزاه السيوطى فى الدر المنثور ٥/ ٢٧٩ إلى ابن أبي حاتم.