وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾. إلى قولِه: ﴿حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ [هود: ٧٢، ٧٣]. قالت سارَةُ لجبْرِيلَ: ما آيةُ ذلك؟ فأخَذ بيدِه عُودًا يابسًا، فَلَواه بينَ أصابعِه، فاهْتَزَّ أخضرَ، فقال إبراهيمُ: هو للهِ إذن ذبيحٌ. فلما كبِر إسحاقُ أُتِي إبراهيمُ في النومِ، فقيل له: أوْفِ بنذرِك الذى نذَرْتَ؛ إنِ اللهُ رزَقَك غلامًا مِن سارَةً أن تَذْبَحَه. فقال لإسحاقَ: انْطَلِقُ نُقَرِّبْ قُرْبانًا إلى اللهِ. وأخَذ سكينًا وحبلًا، ثم انْطَلَق معه حتى إذا ذهَب به بين الجبالِ، قال له الغلامُ: يا أبتِ، أين قُربانُك؟ قال: يا بُنَيَّ، إني رأيْتُ فى المنامِ أني أَذْبَحُك، فانْظُرْ ماذا تَرَى؟ قال: يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ، ستَجِدُنى إن شاء اللهُ مِن الصابرين. فقال له إسحاقُ: يا أَبَتِ، اشْدُدْ رِباطي حتى لا أَضْطَرِبَ، واكْفُفْ عنى ثيابَك، حتى لا يَنْتَضِحَ عليها مِن دمى شيءٌ، فتراه سارَةُ فتَحْزَنَ، وأَسْرِعْ مَرَّ السكين على حَلْقى؛ ليكونَ أهونَ للموتِ عليَّ، فإذا أَتَيْتَ سارَةً، فاقْرَأْ عليها منى السلامَ. فأقْبَل عليه إبراهيمُ يُقبِّلُه، وقد ربَطه، وهو يَبْكي، وإسحاقُ يَبْكى. حتى اسْتَنْقَع الدموعُ تحتَ خدِّ إسحاقَ، ثم إنه جرَّ السكينَ على حَلْقِه، فلم تُحِكِ السكينُ، وضرَب اللهُ صَفيحةً مِن نُحاسٍ على حَلْقِ إسحاق، فلما رأَى ذلك، ضرَب به على جَبينِه، وحزَّ مِن قَفاه، فذلك قولُه: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا﴾. يقولُ: سلَّما للَّهِ الأمرَ، ﴿وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾. فنُودِى يا إبراهيمُ: قد صدَّقْتَ الرؤيا بالحقِّ. فالْتَفَت فإذا بكبشٍ، فأخَذَه وخلَّى عن ابنِه، فأَكَبَّ على ابنِه يُقبِّلُه وهو يقولُ: اليوم يا بُنَيَّ وُهِبْتَ لى. فلذلك يقولُ اللَّهُ: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾. فرجَع إلى سارَةً، فأخْبَرها الخبرَ، فجزِعت سارَةُ، وقالت: يا إبراهيمُ، أَرَدْتَ أن تَذْبَحَ ابنى ولا تُعْلِمَنى (١).
(١) أخرجه المصنف في تاريخه (١/ ٢٧٢، ١/ ٢٦٧ مختصرًا، وعزاه الحافظ في الفتح ١٢/ ٣٧٧، ٣٧٨، والسيوطى في الدر المنثور (٥/ ٢٨٢، ٢٨٣ إلى ابن أبي حاتم، وذكره البغوى في تفسيره ٧/ ٤٧، ٤٩.