للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإِنَّ فَزَعَه منهما كان لدخولِهما عليه [من غير الباب الذى منه (١) كان المَدْخَلُ عليه] (٢)، فَراعَه دخولُهما كذلك عليه. وقيل: إن فزعَه كان منهما؛ لأنهما دخَلا عليه ليلًا في غير وقتِ نظره بين الناسِ، ﴿قَالُوا لَا تَخَفْ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: قال له الخصمُ: لا تَخَفْ يا داودُ. وذلك لمَّا رأياه قد ارْتاعَ من دخولِهما عليه من غيرِ البابِ. وفي الكلام محذوفٌ اسْتُغْنِيَ بدَلالة ما ظهَر من الكلام منه، وهو مُرافِعُ (٣) "خَصْمان"، وذلك "نحن". وإنما جازَ تركُ إظهار ذلك مع حاجة الخصمين إلى المُرافِعِ؛ لأن قوله: ﴿خَصْمَانِ﴾ فعلٌ للمتكلِّم، والعرب تُضمِرُ للمتكلم والمُكلَّمِ المخاطبِ (٤) ما يَرْفَعُ أفعالهما، ولا يكادون أن يفعلوا ذلك بغيرِهما، فيقولون للرجلِ يُخاطبونه: أمُنطَلِقٌ يا فلانُ؟ ويقولُ المتكلِّمُ لصاحبِه: أُحْسِنُ إليك ومُجْمِلٌ (٥). وإنما يفعلون ذلك كذلك فى المتكلم والمكلَّم؛ لأنهما حاضِران يَعْرِفُ السامعُ مرادَ المتكلِّم إذا حُذف الاسمُ، وأكثرُ ما يَجيءُ ذلك في الاستفهام -وإن كان جائزًا في غير الاستفهام- فيُقالُ: أجالسٌ، أراكِبٌ (٦)؟ فمن ذلك قوله: ﴿خَصْمَانِ﴾، ومنه قول الشاعر (٧):

وَقُولا إِذا جاوَزْتُما أَرضَ عامرٍ … وجاوَزْتُما الحَيَّيْنِ نَهْدًا وَخَثْعَما


(١) ليس في: م.
(٢) سقط من: ص، ت ١.
(٣) أى هو رافع قوله تعالى: ﴿خصمان﴾. ورافعه بمعنى رفعه، يعنى المصنف أن ﴿خصمان﴾ رُفع بإضمار: نحن خصمان. ينظر معانى القرآن للفراء ٢/ ٤٠١، والوسيط (ر ف ع).
(٤) فى م: "والمخاطب". وينظر معاني القرآن ٢/ ٤٠١.
(٥) في م: "تجمل". وذكر الفراء في معانى القرآن ٢/ ٤٠٢ مثلًا أوضح من هذا؛ قال: أو أن يقول المتكلِّم: واصلكم إن شاء الله ومحسنٌ إليكم.
(٦) في ص، م، ت ١: "راكب". والمثبت موافق لصورة المثل الذى ذكره الفراء في معاني القرآن ٢/ ٤٠٢، فعنده: أجادٌّ، أمنطلقٌ.
(٧) معانى القرآن ٢/ ٤٠٢ غير منسوب لقائله.