للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليَّ محرابي اليوم أحدٌ حتى الليلِ، ولا يَشْغَلْنى شيءٌ عما خَلَوتُ له حتى أُمْسِيَ. ودخل مِحْرابَه ونشَر زَبورَه يَقْرَؤُه، وفى المحرابِ كُوَّةٌ تُطْلِعُه على تلك الجنينة، فبَيْنَا هو جالسٌ يقرأُ زبورَه، إذ أقبلت حمامةٌ من ذهب، حتى وقَعَتْ في الكُوَّةِ، فرفَع رأسه فرَآها، فأَعْجَبَتْه. ثم ذكَر ما كان قال؛ لا يَشْغَلُه شَيْءٌ عما دخَل له، فنَكَّس رأسَه وأَقْبَل على زَبورِه، فتَصَوَّبَتِ الحمامةُ، للبلاءِ والاختبارِ، مِن الكُوَّةِ، فوقَعَتْ بين يديه، فتناولها بيده فاسْتَأْخَرَتْ غيرَ بعيدٍ، فَاتَّبَعَها، فنَهَضَت إلى الكُوَّةِ، فتناوَلها في الكُوَّةِ فتصَوَّبَتْ إلى الجنينةِ، فأَتْبَعَها بصرَه أين تَقَعُ، فإذا المرأةُ جالسةٌ تَغْتَسلُ، بهيئةٍ الله أعلمُ بها في [الجمالِ والحُسنِ والخَلْقِ] (١). فيَزْعُمون أنها لمَّا رَأته نَقَضَتْ رأسَها فوارَتْ به جسدَها منه واختطَفَتْ قلبَه، ورجَع إلى زبورِه ومجلسِه وهى من شأنه، لا يُفارِقُ قلبه ذكرُها، وتَمادَى به البلاءُ حتى أغزَى زوجَها، ثم أمرَ صاحبَ جيشه (٢) -فيما يزعُمُ أهل الكتابِ- أن يُقدِّم زوجها للمهالكِ، حتى أصابه بعضُ ما أرادَ به من الهلاكِ، ولداودَ تسعٌ وتسعون امرأةٌ، فلمَّا أُصِيب زوجها خطَبها داود، فنَكَحَها، فبعث اللهُ إليه وهو في محرابِه مَلَكَيْن يَخْتَصمان إليه، مثلاً يَضْرِبُه له ولصاحبِه، فلم يُرعْ داود إلا بهما واقفَين على رأسِه في محرابِه، فقال: ما أَدْخَلَكما عليَّ؟ قالا: لا تَخَفْ، لم ندخل لبأسٍ ولا لريبةٍ، ﴿خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ﴾ فجئناك لتَقْضِيَ بينَنَا، ﴿فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾. أي: احْمِلْنا على الحقِّ، ولا تُخالِف بنا إلى غيره. قال المَلَكُ الذى يتكلَّمُ عن أوريا ابنِ حنانيا، زوجِ المرأة: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي]. أي: على ديني، ﴿لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا﴾. أي: احمِلني عليها، ثم ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾. أي قهرنى في الخطابِ، وكان أقوى منى هو وأعزَّ، فحازَ نَعْجتي إلى نعاجِه،


(١) في ص: "الجمال والخلق"، وفى ت ١: "الجمال".
(٢) في ص، ت ١: "الجيش".